ثمّ لما رجعوا دخلوا عينتاب مرة أخرى، وأخذوا كل امرأة جميلة فيها، وما ظفروا به من الأموال والأطفال، بل أخذوا مثل الزبيب ومثل الدبس ومثل الأرز، ونهبوا الأسواق، ثم لحقوا بتمرلنك، فعند ذلك وصلت غرارة القمح في دمشق إلى ثلاثةِ آلافِ درهمٍ فِضّةً، والغرارة ثلاثة أردَابٍّ مصرية، ووصلت كلُّ عَليقَةٍ إلى نصف دينار أو عشرين درهماً.
وأما أهل القرى فماتوا من الجوع والعري والبرد، وكانت التمرلنكية يأخذون لحوم الكلاب يطعمونها للجمال.
ولقد خربت في هذه السنة على أيدي التمرلنكية من البلاد الشمالية: ملطية، وأبلستين، ودرنده، وزبطرا، وكختا، وكركر، وحصن منصور، وبهسنا، وقلعة الروم، وعينتاب، وتل باشر، وكلت، وأغزاز، وحلب الشهباء، والباب، والرها، ومعرة النعمان، وحماة، وبعلبك، وأعظمها دمشق التي لم يكن مثلها في البلاد من زمن إرم ذات العماد.
وأما التي أخذ منها الأموال، ووقع فيها الشتات والنكال: صفد وصيدا وبيروت وخحمي وإلبيرة.
وأما التي وقع فيها الحوادث وأُخلِيَ أهلُها منها: رواندان وتبريز وبيسة وحارم وسرمين وشيزر وكرك نوح وطرابلس، وكل ذلك بمقدور الله -تعالى- وصغر سن المقام الشريف، ورأي يشبك الدوادار ومن وافقه على ذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إذا أراد أمراً بلغه.
فمن جملة ما قيل في وصف هذه السنة؛ أعني: سنة ثلاث وثمان مئة المشهورة بأمور الشواطية:
سَنةٌ بها أبصَرْتُ ما لا أبْصَرَتْ ... عينٌ ولا سَمِعَتْ به أذنانِ
مِنْ نهْبِ أموالٍ وسَفْكِ دِمَا، ومن ... تسليطِ شَيْطَانٍ على السُّلْطانِ