التأييد والإحسان، فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، وحققوا الخبر بأنها بلد الفرسان، واجتمع فيها مئة ألف ألف إنسان، وخرجوا إليهم كأُسْد ولكن غاباتها عوامل الخرصان، وقد لبسوا البياض كالثغور الأقحوان، وعليهم دروع فضفاضة في صفاء الغدران، وهُيِّئت للمجاهدين درجاتُ الجنان، وأُعِدت للكافرين دركاتُ النيران، وبرز إلى الططر القتلُ في مضاجعهم، وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم، فمروا عن أصبهان مروق السهم من الرِّمَى وأنشدوا:
إلى الوادي فطمّ على القرى
ففروا منهم فرار الشيطان يوم بدر له حصاص، ورأوا أنهم إن وقفوا لم يكن لهم من الهلاك محاص، وواصلوا السير بالسرى وهدوا من همدان الوهاد والذرى بعد أن قامت الحرب على ساق والأرواح في مساق، من ذبح مثله وضرب الأعناق، وصعدوا جبل أورند فقتلوا من فيه من جموع صلحاء المسلمين، وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين، وانتهكوا منهم ومن نسائهم حرمات الدين، وكانت استطالتهم على مقدار ثلثي بلاد المشرق الأعلى، وقتلوا فيها من الخلائق ما لا يحصى، وقتلوا في العراق الثاني عدة تقرب أن يستقصى، وربطوا خيولهم في سواري المساجد والجوامع، كما جاء في الحديث المنذر لخروجهم الشارع الجامع، وأوغلوا في بلاد المشرق أي إيغال، ونادوا الجيوش إليها مقادة أبي رغال» في كلام له إلى أن قال:
«وقطعوا السبل وأخافوها وجاسوا خلال الديار، وطافوها وملأوا قلوب المؤمنين رعباً وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحباً، وحكموا سيوفهم في رقاب أهلها، وأطلقوا يد التخريب في وعرها وسهلها، ولا شك أنهم هم المنذر بهم في الحديث، وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون (١) في الآخرة منها.
(١) بناء على رواية أبي داود، والمحفوظ خلافه، كما قدمناه مفصلاً (ص ٣٠٠-٣٠٢) .