للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذهب أهل السنة حتى ما يبقى منهم في البلد إلا رجل واحد» نقله عنه ابن رجب، وزاد: «ولهذا يوجد في كلام السلف -كثيراً- مدح السنة ووصفها بالغربة، ووصف أهلها بالقلّة» ، قال بعد أن أورد نصوصاً:

«وفي هذا إشارة إلى قلّة عددهم، وقلّة المستجيبين لهم، والقابلين منهم، وكثرة المخالفين لهم، والعاصين لهم» (١) .

وهؤلاء ولا سيما في وقت الفتنة في ديار الفتنة (٢) «هم الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جدّاً سموا (غرباء) ، فإن أكثر الناس على غير صفاتهم، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء» (٣) .

وفي قوله: «وعدتم من حيث بدأتم» إشارة إلى عموم الفتن وغربة السنة؛ إلا في المدينة «وقد تكون الغربة في بعض شرائعه ما يصير به غريباً بينهم، لا يعرفه منهم إلا الواحد بعد الواحد» (٤) .


(١) «كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة» (ص ١٦-١٩) .
(٢) كما نسمعه ونشاهده عن طلبة العلم أصحاب الهدي الظاهر من (اللّحى واللباس) في بلاد حوصرت وقلّ خيرها!
(٣) «مدارج السالكين» (٣/١٩٥) ، وقد نشر كلامه فيه عن (الغربة والغرباء) في جزء مفرد، وقسم ابن القيم فيه (٣/١٩٥-٢٠١) الغرباء إلى ثلاثة أنواع:
الأول: غربة أهل الله وأهل سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بين هذا الخلق؛ وهي الغربة الممدوحة.
الثاني من الغربة: غربة مذمومة؛ وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق.
الثالث من الغربة: غربة مشتركة لا تُحمد ولا تُذَم؛ وهي الغربة عن الوطن، فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء، فإنها ليست لهم بدار مقام، ولا هي الدار التي خُلقوا لها.
(٤) «مجموع فتاوى ابن تيمية» (١٨/٢٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>