-رضي الله عنه- كما فسره حذيفة -رضي الله عنه- في آخر الحديث، وقد وقعت الفتن والمحن والبلايا بين الناس، وفشت وانتشرت -كما قال ابن كثير- بعد وفاته في جميع أنحاء بلاد الإسلام، والله المستعان.
ويتمِّم هذا المعنى أحاديثُ أُخر، فيها بيان (أول فتنة) تكون في (الأُمة) ، ولو قضي عليها في حينها لما وجدت (فتنة) بعدها، ولكنها سنة الله الكونية التي يتبين من خلالها كثير من الأمور الشرعية، ولا سيما تلك التي لها تعلُّق بالنفس البشرية، والقوانين الاجتماعية.
أخرج الإمام أحمد (٥/٤٢) : حدثنا روح، ثنا عثمان الشحام، ثنا مسلم ابن أبي بكْرة، عن أبيه أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم مرّ برجُلٍ ساجد -وهو ينطلق إلى الصلاة-، فقضى الصَّلاةَ، ورجع عليه وهو ساجد، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«من يقتل هذا؟» فقام رجل فَحَسرَ عن يديه فاخترط سيفه وهزَّه، ثم قال: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي، كيف أقتل رجلاً ساجداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؟ ثم قال:«من يقتل هذا؟» فقام رجل فقال: أنا. فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه وهزَّه حتى أُرْعدت (١) يده، فقال: يا نبي الله! كيف أقتل رجلاً ساجداً يشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده، لو قتلتموه؛ لكان أول فتنة وآخرها» .
وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة»(رقم ٩٣٨) ، والحارث بن أبي أسامة في «مسنده»(٢/٧١٣-٧١٤ رقم ٧٠٣ - «بغية الباحث» ) ، وأحمد بن منيع في «مسنده» -كما في «إتحاف الخيرة المهرة»(٥/٢٠٤ رقم ٤٦٧٤) -، والبيهقي مختصراً (٨/١٨٧) من طريق روح بن عبادة، به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي (٦/٢٢٥) : «رواه أحمد والطبراني من غير بيانٍ شافٍ، ورجال أحمد رجال الصحيح» .
(١) أُرعدت -على البناء للمجهول-؛ أي: أخذها الاضطراب.