المودودي تصوُّرَ هؤلاء على وجه يوجد في أذهان بعض العامة اليوم بحكم انتشار الخزعبلات والجهل، وقربهم من أصحاب الطرق، قال في كتابه «تجديد الدين وإحيائه»(١)(ص ٣٧-٤٠) :
«على أنّ الذين يقولون من المسلمين بظهور المهدي، ليسوا أقل خطأً في فهمهم، وعقيدتهم هذه من المتجددين الذين ينكرون ظهوره، فهم يتصورون أن الإمام المهدي سيكون رجلاً من نمط قدماء المشايخ والصوفية الذين يفضلون أورادهم وأذكارهم على أوراد وأذكار المصطفى صلى الله عليه وسلم، والذين يزيدون في الدين نوعاً من تزكية النفس كما يدعون. لأن الذي نزلت عليه الآية الكريمة {اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم}[المائدة: ٣](!) . قصّر بهذا فأتت أمته بدون خزعبلاتهم قاسية القلوب رققوها وهذبوها بما استوردوه من ديانات الهند والسند، ومن رقصات السامبا والتويست، وغاب عن ذهنهم أن تزكية النفوس بالجهاد والحركة المستمرة الدؤوب» .
فلا يسمع به الناس إلا وقد ظهر من معهد قديم، أو خرج من زاوية اعتكاف يصرف السبحة بيده ويتلو الأوراد بلسانه، ويعلن على الخلق: «أنا المهدي أيها الناس (!) » وإذا العلماء والمشايخ يهرولون إليه حاملين بأيديهم الكتب والأسفار، يقابلون هيئته وهندامه بما ورد فيها من سماته وعلاماته، فيعرفونه، ثم تكون البيعة العامة ويتبعها إعلان الجهاد، وهنالك يبادر جميع الدراويش المعتكفين في خلواتهم ... وأما إذا قام الجهاد ووقع القتال، فلا يستعمل فيه السيف إلا تحلة القسم، وإنما تعمل البركة والتصرفات الروحية عملها في المعارك، ويحاز الظفر والانتصار بفضل النفثات والأوراد ... » إلى
(١) النص المنقول فيه اختصار وتصرف، وهذا الكتاب -في نظري- بحاجة إلى دراسة وتقويم، كأفكار المودودي بالجملة، فإن فيها جرأة، وصدرت دراسات عديدة في ذلك، ومن أجود ما وقفت عليه: «موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي» للعلامة محمد بن إسماعيل السلفي (ت ١٣٨٧هـ) ، و «زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً» (ص٨٥-١٧١) .