للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيب، والأيام حُبالى، ولا ندري ماذا سيكون، والعصمة: الوقوف مع الأخبار الصحيحة، ولا يقع هذا الأمر على النحو المذكور إلا لنفر قليل؛ ممن رزقه الله اليقين، ورفع درجته بالعلم النافع، والإيمان القوي الذي يتولَّد عنده تصور صحيح، وتيقظ، وتَخوُّف على الأمة من قصورها وذنوبها، ولذا كان حُذيفة -رضي الله عنه- يقول:

«لوددتُ أنّ عندي مئة رجل قلوبهم من ذهب، فأصعد على صخرة، فأحدّثهم حديثاً، لا يضرهم بعده فتنةٌ أبداً، ثم أذهب فلا أراهم، ولا يروني أبداً» .

أخرجه أبو داود في «الزهد» (ص ٢٦٥-٢٦٦/رقم ٢٧) ، وابن أبي الدنيا في «العزلة» (ص ١٤٨/رقم ١٦٨ - بتحقيقي) ، ونُعيم بن حمَّاد في «الفتن» (رقم ١٢٩) من طريق الأعمش، عن عدي بن ثابت الأنصاري، عن زرِّ ابن حُبيش عنه، به. وإسناد صحيح.

يُستفاد مِن هذا الأثر: أنّ العلم اليقيني بالفتن سببٌ مِن أسباب البُعد عنها (١) ،

ولذا يُسيء كثير من الناس فهم أحاديث الفتن، ويعكسون الغرض من


(١) الأدله على ذلك كثيرة جدّاً؛ منها: ما أخرجه البخاري (٧٠٦٢-٧٠٦٦) ، ومسلم (١٥٧) ، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رفعه: «إنّ بين يدي الساعة أياماً يُرفَع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيه الهرج» .
فهنالك صلة بين (الفتن) ورفع العلم وظهور الجهل، وعبّر عن ذلك أبو إدريس الخولاني بقوله:
«إنها فتن قد أظلت كجباه البقر يهلك فيها أكثر الناس، إلاَّ من كان يعرفها قبل ذلك» .
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٨/٦٠٤-٦٠٥) ، وغيره.
وقصة الشاب -طالب علم حديث- الذي يلقى الدجال، ويحتج عليه بالحديث، وأنّ الدجال لن يقدر عليه، وأنه ازداد به بصيرة بعد نشره بالمنشار، لأوضح دليل على ما نحن بصدده. انظرها بتفصيل في «صحيح البخاري» (٧١٣٢) ، وشرحها لابن حجر في «الفتح» (١٣/١٠١) .

ويذكر بهذا الصدد ما أخرجه ابن ماجه (٢/٥١٦) على إثر حديث أبي أمامه عن الدجال =

<<  <  ج: ص:  >  >>