للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يسعنا إلاّ أنْ نردد مع ابن الأثير قوله في «الكامل في التاريخ» (١٢/٣٥٨-٣٥٩) :

«لقد بقيتُ عدّة سنين مُعرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها؛ فأنا أقدّم إليه رجلاً، وأُؤخّر أخرى، فمَن الذي يسهل عليه أنْ يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومَن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟!

فيا ليت أمّي لم تلدني، ويا ليتني مِتّ قبل حدوثها، وكنتُ نَسياً منسيّاً، إلا أني حثّني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا مُتوقّف، ثم رأيت أنّ ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفعل يتضمّن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقّت الأيّام والليالي عن مثلها، عمّت الخلائق،


= أمثالي، فالله حسيبه، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلفنا خيراً من هؤلاء الأئمة.

وجمعني مع أقارب لي مجلس يوم الإثنين قبل سقوط بغداد بيومين، وكان جُل الحاضرين يهددون أمريكا بالويل والثبور إن تجرأت على الوصول إلى بغداد، وأنا ساكت، فلما طُلب مني الكلام؛ قلتُ -واللهِ-: افرحوا يوماً أو يومين! ولما وقع ما وقع، أخذتُ أقلّب كتب التاريخ وأنظر فيها، فوجدتُ كلاماً لابن الأثير في «الكامل» (١٢/٤٩٥) حوادث (سنة ٦٢٨هـ) عن الملك (جلال الدين ابن خوارزم شاه) ، قال عنه:
«كان سيئ السيرة، قبيح التدبير لملكه، لم يترك أحداً من الملوك المجاورين له إلاّ عاداه، ونازعه الملك، وأساء مجاورته ... وقَتَل في أصفهان فأكثر» ، وقال (١٢/٤٩٧-٤٩٨) :
«لما رأى جلال الدين ما يفعله (التتر) في بلاد ... ، وأنهم مقيمون بها يقتلون، وينهبون، ويأسرون، ويخرّبون البلاد، ويجبون الأموال، عازمون على قصده ... فلما فعل التتر بهم ذلك، ومضى منهزماً منهم، ... لم يعلموا أين قصد، ولا أيّ طريق سلك، فسبحان من بدّل أمنهم خوفاً، وعزّهم ذُلاًّ، وكثرتهم قلّة، فتبارك الله رب العالمين الفعَّال لما يشاء» ، وقال (١٢/٥٠٢) في أحداث السنة التي بعدها:
«وخرجت هذه السنة، ولم نتحقق لجلال الدين خبراً، ولا نعلم هل قُتل، أو اختفى، لم يُظهر نفسه خوفاً من التتر، أو فارق البلاد إلى غيرها، والله أعلم» ، وهكذا يعيد التاريخ نفسه، ولله في خلقه شؤون، ثم -بعد تنضيد حروف الكتاب وفي أثناء مراجعته المراجعة النهائية- أُعلن خبر إلقاء القبض على (صدام) ! ولا قوة إلا بالله!

<<  <  ج: ص:  >  >>