واستيقظوا من رَقْدَتِهم، وحمدوا الله على ما أنعمَ به من استعداد السلطان والعسكر للجهاد، وما جمعه من الأموال للإنفاق في سبيل الله.
فإنّ الله فَرَضَ على المسلمين الجهادَ بالأموال والأنفس، والجهادُ واجبٌ على كل مسلم قادرٍ، ومَن لم يَقْدِرْ أن يجاهد بنفسه فعليه أن يجاهد بماله إن كان له مالٌ يتسع لذلك؛ فإن الله فرض الجهاد بالأموال والأنفس، ومَن كَنَزَ الأموالَ عند الحاجة إلى إنفاقها في الجهاد، من الملوك أو الأمراء أو الشيوخ أو العلماء أو التجار أو الصُّنَّاع أو الجند أو غيرهم؛ فهو داخلٌ في قوله -سبحانه-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}[التوبة: ٣٤-٣٥] ، خصوصاً إن كانت الأموالُ من أموال بيت المال، أو أموالٍ أُخِذتْ بالربا ونحوه، أو لم تُؤدَّ زكاتُها ولم تُخرَج حقوقُ الله منها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحضُّ المسلمين على الإنفاق في سبيل اللَّه، حتَّى إنه في غَزَاة تبوك حَضَّهُم، وكان المسلمون في حاجةٍ شديدة، فجاء عثمان بن عفان بألفِ راحلة من ماله في سبيل الله بأَحْلاسِها وأَقْتابِها، وأعوزَتْ خمسين راحلة فكمَّلها بخمسين فرساً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما ضَرَّ عثمانَ ما فَعَلَ بعدَ اليوم»(١) .
وذمَّ الله المخلَّفين عن الغزو في سورة براءة بأقبح الذّمِّ حين قال:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بَأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ}[التوبة: ٢٤] ، وقال:{إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ}
(١) خرجته بتفصيل في تعليقي على «السر المكتوم» للسخاوي.