صادراً عن إرادة ومحاطاً بانتباه، وهذا قد يكون الغرض منه الوصول إلى إدراك حقيقة؛ فتسمى مخيلة علمية، وقد يكون الغرض منه الوصول إلى تأليف صور من المعاني جديدة؛ فتسمى مخيلة إبداعية.
فالمخيلة الآلية هي التي تسير دون قصد إلىجهة خاصة أو غرض معين؛ كأن يحصل للإنسان استغراق في التخيل، ويذهب متنقلاً من معنى إلى آخر، ويجول في جملة من صور الأشياء التي عرفها في الماضي من غير انتظام ولا قصد إلى استنتاج.
ومن المرائي المنامية ما يرجع إلى عمل هذه المخيلة، حيث يزول الانتباه ولا يبقى للإرادة سلطان؛ فتجري المخيلة طَلِقةً من غير عنان، فتعرض على النفس صوراً غريبةً، أو لذيذةً، أو مؤلمة، ومن المرائي ما هو إلهام إلهي، كما ثبت في نصوص الشريعة القاطعة، ودلت عليه التجارب الصحيحة.
والمخيلة العلمية هي التي تتوجه بإرادة صاحبها، وتعمل تحت مراقبة قوته العاقلة، فتنتقل من صورة إلى أخرى تناسبها، حتى تجتمع في الذهن صور يحصل من ترتيبها -على قانون المنطق إدراك- حقيقة كانت خافية، ويقول المتحدثون عن العالم «نيوتن» : إنّ مخيلته العلمية قد انتقلت به ... من مشاهدة تفاحة سقطت على الأرض وانساقت به إلى النظر في قانون الجاذبية.
والمخيلة الإبداعية يتمكن بها الشخص من إحداث صور غريبة؛ إمّا محسوسة -كما يفعل الصانع الماهر-، أو معنوية -كما يفعل الشاعر المجيد-، فالصانع يفسح المجال لمخيلته فتنطلق في صور ما شاهده من الأشياء، ويساعده ذوقه على أنْ ينتقي من تلك الصور ما يركب منه صورة جديدة (١) .
(١) انظر: «رسائل الإصلاح» للشيخ محمد الخضر حسين (٢/٣٠-٣٤) (قوة التخيل وأثرها في العلم والشعر والصناعة والتربية) ، فما ذكرناه سابقاً مأخوذ منه باختصار.