ثانيا - أن هذه القاعدة لا يدل على دليل بخصوصها وإنما هي عمومات متنازع في الاستدلال بها كقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ١٧٣]، وإعمال العمومات التي تبيح الترخص للمسافر في نحو الفطر، والمسح أولى.
ثالثا - وعلى فرض إعمال هذه القاعدة فكان الأولى اختيار القول بمنع المسافر سفر معصية من المسح مطلقا وذلك لأن المسح نفسه رخصة - على القول الصحيح في المذهب - فاجتمع للمسافر رخصتان الأولى المسح نفسه والثانية الزيادة في المدة عن المقيم، ومنع المسافر سفر معصية من الترخص مطلقا بالمسح أو بالزيادة في المدة أولى من منعه من بعض الرخص دون بعض إعمالا لعموم القاعدة.
[مسألة - لو مسح المسافر في السفر ثم أقام لم يزد على مسح المقيم.]
هذا القول هو الراجح؛ لأن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما فعلة زيادة مدة المسح هي السفر وقد زال، فلا يزيد في مدة المسح، ويدل على هذا القول أيضا القاعدة المتفق عليها وهي (ما جاز لعذر بطل بزواله) والعذر هنا السفر فبزواله يزول ما ترتب عليه من الزيادة في مدة المسح.
قال البهوتي في "الروض المربع"(ص/٣٤): ((ومن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء وإلا خلع (أو عكس) أي مسح مقيما ثم سافر لم يزد على مسح مقيم تغليبا لجانب الحضر) وهو يشير إلى أن قاعدة (إذا اجتمع في العبادة جانب الحضر وجانب السفر غُلِّب جانب الحضر) وهذه القاعدة تدخل في قاعدة "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام " وسوف يأتي الكلام عنها في المسألة التالية بإذن الله.
[مسألة - لو مسح في الحضر ثم سافر لم يزد على مسح المقيم.]
والقاعدة السابقة خالف فيها الحنفية وهي غير مطردة في المذهب، قال المرداوي في "الإنصاف"(١/ ١٧٩): (قوله {ومن أحدث، ثم سافر قبل المسح: أتم مسح مسافر} هذا المذهب، وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم).