للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصحيح: أن القياس نوع من الاجتهاد، ولا يجوز أن يشتغل به من لم يبلغ رتبة الاجتهاد، فالذي يعرف مذهب إمامه ولا يعرف دليله، ليس له أن يقيس على أصل لا يعرف دليله إلا أن يكون قياسا بنفي الفارق مما يشترك فيه جميع العقلاء.

وأما إذا كان حكم الأصل قد ثبت بالقياس واتفق الخصمان على ذلك الحكم وهما مجتهدان فهل يجوز لهما القياس عليه؟

اختلفوا في ذلك، والصحيح عدم جواز القياس على ما ثبت بالقياس؛ لأنه إذا عرف دليل الأصل في القياس الأول فينبغي أن يقيس عليه مباشرة بلا واسطة، وإن لم يعرف دليل الأصل في القياس الأول فلا يجوز القياس.

وأيضا فإن العلة التي لأجلها ثبت الحكم في الأصل في القياس الأول، إن كانت موجودة في الفرع في القياس الثاني، فينبغي أن يقاس هذا الفرع على الأصل الأول بلا واسطة، وإن لم تكن موجودة، فلا يصح القياس حينئذ.

وقد بنى الماوردي هذا الخلاف على اختلافهم في تعليل الحكم بعلتين، فمن أجازه أجاز القياس على ما ثبت حكمه بالقياس مع اختلاف العلة.

ومثاله: قياس الأرز على البر في تحريم التفاضل بعلة الكيل، ثم يقيس الموز على الأرز بعلة كونه نبتا لا ينقطع عنه الماء (١)، أو بعلة كونه مطعوما. فالعلة الأولى غير موجودة في البر، والثانية موجودة.

٤ ـ أن يكون حكم الأصل معقول المعنى، أي: معروف العلة. فإن كان فيما لا يدخله التعليل فلا يجوز القياس حينئذ، ولهذا قال العلماء: الأحكام


(١) البحر المحيط ٥/ ٨٤.

<<  <   >  >>