ففي المسألة الأولى يجب أن نقتصر على أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده؟ وحينئذ تنحصر في الأشياء التي ورد النهي عنها كالصلاة في الأماكن السبعة، والبيع على بيع أخيه، وصيام يومي العيدين. ونحو ذلك؛ لورود النهي عن هذه الأشياء.
وأما الثانية فيجب حصرها على عبادة ورد الأمر بها وورد النهي عن شيء ذا صلة بها ولكنه ليس خاصا بها، مثل: الصلاة مأمور بها بإطلاق، والغصب منهي عنه بإطلاق، فإذا صلى في الدار المغصوبة يكون قد أتى بالمأمور به على صفة فيها كراهة، ولم يرد نص في النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة. وكذلك الصلاة بوضوء مغصوب أو في ثوب حرير ونحو ذلك، فهذه كلها لم يرد فيها بخصوصها نهي فيما أعلم، فإذا لم يرد نهي عن الصلاة على تلك الصفة، فتدخل تحت مسألة الأمر هل يتناول المكروه أو المنهي عنه من وجه آخر؟.
وحيث إن الأكثرين جعلوا مسألة اقتضاء النهي الفساد شاملة للمسألتين السابقتين فالواجب أن نفصل فيها على النحو التالي:
١ - النهي عن الشيء لذاته: لا خلاف في أنه يقتضي البطلان، وقد يمثله الحنفية بالنهي عن بيع حبل الحبلة، وبيع الكلب، والخنزير، والنجاسات.
٢ - النهي عن الشيء لوصف ملازم: كالنهي عن صوم يوم العيد، وعن بيوع الربا. وهذا يقتضي الفساد عند جمهور العلماء.
وذهب بعض علماء الحنفية إلى أنه في هذا القسم يفرق بين العبادات وغيرها؛ ففي العبادات يقتضي الفساد، فصيام يوم النحر باطل باتفاق.
وأما المعاملات كبيع درهم بدرهمين، فهو عندهم بيع فاسد، ولكن يثبت به الملك مع التقابض.