إلى ترجيح حكمِ الأصل في أحد القياسَين على حكم الأصل الآخَر، أو ترجيحِ دليلِ حكم الأصل على دليل حكم الأصل الآخَر.
ويذكرون فيه طرقَ الترجيح بين الأدلة المنقولة التي تقدَّم ذكرُ أهمِّها، ثم يزيدون عليها طرقَ الترجيح بين العلل.
ويُعَدُّ الآمديُّ من أكثر الأصوليين توسُّعاً في عدِّ طرق الترجيح بين الأقيسة، فقد ذكر في الترجيح العائد إلى حكم الأصل ستةَ عشرَ طريقاً، وفي الترجيح العائد إلى العلة خمسة وثلاثين طريقاً، وفي الترجيحات العائدة إلى الفرع أربعةَ طرقٍ. والذين جاءوا بعدَه أخذوا عنه.
ومع كثرة ما ذكره من طرق الترجيح لم يُمثّلْ لها، وكذلك غيرُه من الأُصوليين لم يُعنوا بالتمثيل لطرق الترجيح.
والمتأمِّل لتلك الطرق يجدُ أنها لم تستوعبُ جميعَ الاحتمالات الممكنة في التعارُض؛ لأن بعضَ الأقيسة قد تكونُ فيه صفةٌ تُميِّزه، والآخَرُ فيه صفةٌ أخرى تُميِّزه. وقد تكون في أحد الأقيسة صفتان، وفي الآخَر صفتان أو ثلاث.
ولا يُمكنُ الترجيحُ بين الأقيسة حتى نُبيِّنَ ما الذي يجبُ النظرُ فيه أولاً من أركان القياس؟
فهل ننظرُ أولاً في حكمِ الأصل ودليلِ ثبوته، بحيثُ إذا ترجّحَ دليلُ الثبوت في أحد القياسَين يكونُ هو الراجحُ؟
وهل يُمكنُ أنْ نجعلَ النظرَ أولاً في العلَّة، فإذا ترجّحتْ ترجّحَ القياسُ المبنيُّ عليها؟
وحتى لو سلَّمنا أحدَ هذين الاحتمالين فإن للترجيح بين الأصلين وبين العلّتين طرقاً كثيرةً. فنحتاجُ إلى معرفة ما يُقدَّمُ منها على الآخَر.