وهذا الإشكالُ لا سبيلَ إلى حلِّه إلاّ بأنْ نجعلَ الأمرَ متروكاً للمجتهد، فينظرَ في مجمَل هذا القياس؛ بأصلِه، وعلَّتِه، وفرعِه، فيُقوِّمه، ثم ينظر في القياس الآخَر؛ بأصلِه، وعلَّتِه، وفرعِه، فيُقوِّمه، ثم يُقدِّم ما يراه راجحاً، مستفيداً مما يذكره الأصوليون من طرق الترجيح في الجملة.
ولعلَّ ورودَ هذا الإشكال في أذهان الأصوليين المتقدِّمين هو الذي حال بينهم وبين التمثيل لما يذكرونه من طرق الترجيح؛ لأن مَن أراد أنْ يُمثِّلَ لتقديم القياس الذي أصلُه ثبت بدليلٍ قطعيٍّ على القياس الذي ثبتَ أصلُه بدليلٍ ظنّيٍّ، يصعُبُ عليه أنْ يراعيَ ترجيحَ العلَّةِ في القياس الأول على العلّة في القياس الثاني، فقد يكونُ القياسُ ثبت أصلُه بدليلٍ قطعيٍّ، ولكن علّتَه شبَهيةُ وليستْ مُناسِبةً. وقد تكون علّتُه اسماً لا وصفاً، وقد تكونُ مركَّبةً من أوصافٍ لا مفرَدةً.
وهكذا لا يستطيعُ أنْ يُمثِّلَ برجحان هذا القياس على ذاك؛ لرُجحان أصله وحده، أو دليل أصله وحده، أو علّته وحدها. ولكن الترجيحَ لجملة قياسٍ على قياسٍ.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن كثيراً من طرق الترجيح مختلَفٌ فيها، تأيَّدَ ما ذكرناه من أن الترجيحَ يرجعُ إلى قوَّة الظنّ لدى المجتهد من أيّ طريقٍ حصلت.
وأن ما يُذكَرُ من طرقٍ إنما هو لمساعدة المجتهد على استذكار طرق المفاضلة بين الأقيسة. قال الزركشيُّ:«واعلم أن التراجيحَ كثيرةٌ، ومناطُها ما كان إفادتُه للظن أكثرَ فهو الراجحُ»(١).
وحيثُ إن العلةَ هي أهمُّ أركانِ القياس فإن أكثرَ طرق الترجيحِ ترجِعُ إلى