وقد صحّح هذا التفسيرَ ابنُ تيميةَ، ودافع عن العنبريّ ـ وانتصر له، وقال:«إن المخطئَ من مجتهدي المسلمين مأجورٌ، سواء كان الخطأُ في الأصول أو الفروع، إذا بذل جهدَه ولم يصلْ إلى الحقّ».
قال رحمه الله:«ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع، بل جعل الدين قسمين: أصولا، وفروعا، لم يكن معروفا في الصحابة والتابعين، ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين إن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع ... وحكوا عن عبيد الله العنبري أنه قال: كل مجتهد مصيب، ومراده: لا يأثم، وهذا قول عامة الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما»(١).
والخلاصةُ: أن الكلامَ في مقامين:
الأول: هل يُقال لكلٍّ من المختلفين: إنه مصيبٌ؟
الثاني: هل يأثمُ إذا خالف ما هو الحقّ عند الله؟
فأما في المقام الأول: فإن المسائلَ العلميةَ الخبريةَ لا يُمكنُ أنْ يتعدّدَ الحقُّ فيها، فيكونَ الصوابُ مع كلٍّ منهما؛ إذْ لا يقول عاقلٌ إن اللهَ موصوفٌ بصفة الرحمة، وغير موصوفٍ! وإن اللهَ قد كتب السعادةَ أو الشقاءَ على الإنسان، ولم يكتبها! لوجود التناقُض الممتنع عقلاً.
وعلى ذلك: فإن مَن قال في شيءٍ من مسائل الاعتقاد: إن كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ، فلا يُحمَلُ قولُه على تعدُّد الحقّ فيها؛ لامتناعه عقلاً، وإنما يُحملُ على أنه معذورٌ في خطئه إذا لم يُخالفْ قاطعاً، وأما إذا خالف قاطعاً من غير تأويلٍ، فإنه يكونُ مقصِّراً.