قلّت رغبات المتأخرين في كتب الأئمة وقعدوا عن حفظها وشرحها، وقلّت نسخ تلك الكتب في مكاتب العالم، فعاثت فيها الديدان، واجتاحتها الحروب، والأمطار ومرور الدهور؛ فلما قلّت وبادت وندرت فتشها خواص العلماء في أقطار الأرض فلم يجدوا من بعضها إلا نسخة أو نسختين سمعوا بها في بلاد شاسعة بعيدة لم تصل أيديهم إليها واشتاقت أنفسهم إليها، فكانوا يفتشونها ولا يعلمون كيف يظفرون بها، فاجتمع جهابذة من العلماء علماء حيدر آباد الدكن (من الهند) فأسسوا "دائرة المعارف" لنشر كتب ظاهر الرواية لينتفع بها طلبة العلم، وفتشوها في الهند فلم يجدوا أثرها إلا في بلاد بعيدة لا يقدرون على حصولها، فشرعت الدائرة في نشر كتب أخرى حتى ظفرت بعد زمان بشرح السير الكبير للسرخسي فنشرته، ثم ظفر مولانا السيد هاشم الندوي مدير الدائرة سابقا بالجزء الأول من كتاب الأصل، وهو من مكتبة بعض علماء جونبور (من الهند) فنسخه وحفظه عنده. وهذا الجزء قد نسخ في سنة ١١٣٦ هـ، وكان يسعى ليظفر بنسخ أخرى فينشره لكن لم يمهله الزمان حتى عزل عن الدائرة، ثم جاء زمن الفاضل الجليل الدكتور عبد المعيد خان - دام فضله - فلما رأى الكتاب هذا أراد نشره ورآى فضيلته نسخ الكتاب عندي والتمس مني أن أقابله على هذه النسخ وأصححه، فقلت لفضيلته: لا تكن هذه النسخ لتصحيح الكتاب، بل لا بدّ من تصوير نسخة أخرى من نسخ الآستانة، فطلب تصوير نسخة مكتبة العاطف، فلما وصل الكتاب شرعت في مقابلة النسخ، وبعد المقابلة شرعت بتصحيح الكتاب مستعينا بالله عز وجل، حتى تمّ