للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله من تَحْتهم تجْرِي الخ قد تكَرر فِي الْقُرْآن الْكَرِيم فِي عدَّة مَوَاضِع قَوْله تَعَالَى {جنَّات عدن تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} طه وَفِي مَوضِع {تجْرِي تحتهَا الْأَنْهَار} التَّوْبَة وَفِي مَوضِع {تجْرِي من تَحْتهم الْأَنْهَار} الْأَنْعَام وَهَذَا يدل على أُمُور أَحدهَا وجود الْأَنْهَار فِيهَا حَقِيقَة وَالثَّانِي أَنَّهَا جَارِيَة لَا واقفة وَالثَّالِث أَنَّهَا تَحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كَمَا هُوَ الْمَعْهُود فِي أَنهَار الدُّنْيَا وَقد ظن الْمُفَسّرين أَن معنى ذَلِك جريانها بأمرهم وتصريفهم لَهَا كَيفَ شاؤوا وَهَؤُلَاء أَتَوْ من ضعف الْفَهم فَإِن أنهارها وَإِن جرت فِي غير أخدُود فَهِيَ تَحت الْقُصُور والمنازل والغرف وَتَحْت الْأَشْجَار وَهُوَ سُبْحَانَهُ لم يقل من تَحت أرْضهَا وَقد أخبر عَن جَرَيَان الْأَنْهَار تَحت النَّاس فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {ألم يرَوا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فِي الأَرْض مَا لم نمكن لكم وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مدرارا وَجَعَلنَا الْأَنْهَار تجْرِي من تَحْتهم} الْأَنْعَام فَهَذَا على الْمَعْهُود الْمُتَعَارف وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ عَن قَول فِرْعَوْن {وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي} الزخرف وَقَالَ تَعَالَى {فيهمَا عينان نضاختان} الرَّحْمَن أَي بِالْمَاءِ والفواكه قَالَه سعيد وَقَالَ انس بالمسك والعنبر تنضخان على دور أهل الْجنَّة كَمَا ينضخ الْمَطَر على دور أهل الدُّنْيَا وَقَالَ الْبَراء اللَّتَان تجريان أفضل من النضاختين رَوَاهَا ابْن ابي شيبَة وَقَالَ تَعَالَى {مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون فِيهَا أَنهَار من مَاء غير آسن وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وَلَهُم فِيهَا من كل الثمرات ومغفرة من رَبهم} مُحَمَّد فَذكر سُبْحَانَهُ هَذِه الْأَجْنَاس الْأَرْبَعَة وَنفى عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا الآفة الَّتِي تعرض لَهُ فِي الدُّنْيَا فآفة المَاء أَن يأسن ويأجن من طول مكثه وَآفَة اللَّبن أَن يتَغَيَّر طعمه الى الحموضة وَأَن يصير قارصا

<<  <  ج: ص:  >  >>