للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَحْرِيك جسم وَيجْعَل العَبْد مرِيدا لَا أَن يَجعله العَبْد سَاكِنا مَعَ قدرته على ذَلِك فَإِن الارادة الجازمة مَعَ الْقُدْرَة تَسْتَلْزِم وجود الْمَقْدُور فَلَو جعله الرب مرِيدا مَعَ قدرته لزم وجود مقدوره فَيكون العَبْد يَشَاء مَالا يَشَاء الله وجوده وَهَذَا مُمْتَنع بل مَا شَاءَ الله وجوده يَجْعَل الْقَادِر عَلَيْهِ مرِيدا لوُجُوده لَا يَجعله مرِيدا لما يُنَاقض مُرَاد الرب وَأما على قَول الْمُعْتَزلَة فعندهم تمْتَنع قدرَة الرب على عين مَقْدُور العَبْد فَيمْتَنع اخْتِلَاف الارادتين فِي شَيْء وَاحِد وكلا الحجتين بَاطِلَة فَإِنَّهُمَا مبنيتان على تنَاقض الإرادتين وَهَذَا مُمْتَنع فَإِن العَبْد إِذا شَاءَ ان يكون (شَيْء (لم يشأه حَتَّى يَشَاء الله مَشِيئَته كَمَا قَالَ تَعَالَى {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} وَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فَإِذا شَاءَ الله جعل العَبْد شائيا لَهُ واذا جعل العَبْد كَارِهًا لَهُ غير مُرِيد لَهُ لم يكن هُوَ فِي هَذِه الْحَال شائيا لَهُ فهم بنوا الدَّلِيل على تَقْدِير مَشِيئَة الله لَهُ وَكَرَاهَة العَبْد لَهُ وَهَذَا تَقْدِير مُمْتَنع وَهَذَا تنَاقض من تَقْدِير ربين والهين وَهُوَ قِيَاس بَاطِل لِأَن العَبْد مَخْلُوق لله وَهُوَ وَجَمِيع مفعولاته لَيْسَ هُوَ مثلا لله ولاندا وَالله أعلم وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

... كَانُوا على وَجل من الْعِصْيَان ... اذ هُوَ فعلهم والذنب للانسان ...

أَي إِن أَفعَال الْعباد غير اختيارية بل هم مَجْبُورُونَ عَلَيْهَا كحركة المرتعش وتحريك الْهوى للاشجار وَنَحْو ذَلِك فَإِذا كَانَ أصل الْقَدَرِيَّة الْمُجبرَة أَن إِرَادَة الرب تَعَالَى هِيَ عين محبته وَرضَاهُ فَكل مَا شاءه فقد أحبه ورضيه وكل مَا لم يشأه فَهُوَ مسخوط لَهُ مبغوض فالمبغوض المسخوط هُوَ مَا لم يشأه والمحبوب المرضي هُوَ مَا شاءه هَذَا أصل الْقَدَرِيَّة الجبرية المنكرين

<<  <  ج: ص:  >  >>