تَوْحِيد الربوبية الَّذِي قرروه هُوَ تَوْحِيد الالهية الَّذِي بَينه الْقُرْآن ودعت اليه الرُّسُل وَلَيْسَ الامر كَذَلِك وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَقد نقلنا أَنه لَيْسَ فِي أهل الارض من أثبت للْعَالم خالقين متماثلين فِي الصِّفَات والافعال بل هَذَا مُمْتَنع لذاته وامتناعه ظَاهر فِي الْعُقُول بِخِلَاف مَا يَظُنّهُ كثير من أهل الْكَلَام والفلسفة نعم بعض أهل الضلال يزْعم أَن ثمَّ خَالِقًا لبَعض الْعَالم كالثنوية فِي الظلمَة وكالقدرية فِي أَفعَال الْحَيَوَان وكالفلاسفة الدهرية فِي حَرَكَة الافلاك اَوْ حركات النُّفُوس والاجسام الطبيعية فان من هَؤُلَاءِ الْفرق الضَّالة من يثبت امورا محدثة بِدُونِ إِحْدَاث الله تَعَالَى إِيَّاهَا فهم الْمُشْركُونَ فِي بعض الربوبية وَكثير من مُشْركي الْعَرَب وَغَيرهم قد يظنّ فِي إلهته شَيْئا من هَذَا وَأَنَّهَا تَنْفَعهُ وتضره بِدُونِ أَن يخلق الله ذَلِك فَلَمَّا كَانَ هَذَا الشّرك فِي الربوبية مَوْجُودا فِي النَّاس بَين الْقُرْآن بُطْلَانه بقوله تَعَالَى {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} الْمُؤْمِنُونَ ٩١ وَالْمَوْجُود خلاف هَذَا فَإِن الْعَالم مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض مَا من مَخْلُوق الا وَهُوَ مُتَّصِل بِغَيْرِهِ من الْمَخْلُوقَات مُحْتَاج اليه فالحيوان الْوَاحِد والنبات الْوَاحِد من أصل وَذَلِكَ الاصل من غَيره وهلم جرا وَهُوَ أَيْضا مفتقرا الى الْهَوَاء وَالْمَاء وَالتُّرَاب بل والى أَنْوَاع النباتات والحيوانات ومفتقر الى أثر الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَغير ذَلِك والفلك مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض والافلاك مفتقرة بَعْضهَا الى بعض والعالم الْعلوِي مفتقر الى الْعَالم السفلي فَلَو قدر ان صانع الارض غير صانع السَّمَاء وانه مستغن عَنهُ لَا يُغير أَحدهمَا مَصْنُوع الاخر لزم من ذَلِك أَن لَا يكون مَا فِي السَّمَاء مؤثرا فِي الارض فَلَا تُؤثر الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الارض وان يكون مَا يصعد من الادخنة