للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشِيئَة نفس الْمحبَّة ثمَّ زادوه بجعلهم الْفِعْل نفس الْمَفْعُول وَالْقَضَاء عين الْمقْضِي فَنَشَأَ من ذَلِك إلزامهم بِكَوْنِهِ تَعَالَى رَاضِيا محبا لذَلِك وَالْتزم رضاهم بِهِ وَالَّذِي يكْشف هَذِه الْغُمَّة وينجي من هَذِه الورطة التَّفْرِيق بَين مَا فرق الله بَينه وَهُوَ الْمَشِيئَة والمحبة فليسا وَاحِدًا وَلَا هما متلازمان بل قد يَشَاء مَا لَا يُحِبهُ وَيُحب مَا لَا يَشَاء كَونه فَالْأول كمشيئته وجود إِبْلِيس وَجُنُوده ومشيئته الْعَامَّة لجَمِيع مَا فِي الْكَوْن مَعَ بغضه لبعضه وَالثَّانِي كمحبة إِيمَان الْكفَّار وطاعات الْفجار وَعدل الظَّالِمين وتوبة الْفَاسِقين وَلَو شَاءَ ذَلِك لوجد كُله فانه مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن

فَإِذا تقرر هَذَا الأَصْل ان الْفِعْل غير الْمَفْعُول وَالْقَضَاء غير الْمقْضِي وان الله جلّ شَأْنه لم يَأْمر عباده بالرضى بِكُل مَا خلقه وشاءه وَقد زَالَت الشُّبُهَات وانحلت الاشكالات إِذا عرف هَذَا فالرضى بِالْقضَاءِ الديني الشَّرْعِيّ وَاجِب وَهُوَ أساس الاسلام وَقَاعِدَة الايمان فَيجب على العَبْد ان يكون رَاضِيا بِهِ بِلَا حرج وَلَا مُنَازعَة وَلَا مُعَارضَة وَلَا اعْتِرَاض قَالَ تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} النِّسَاء فأقسم الله تَعَالَى أَنهم لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يحكموا رَسُوله ويرتفع الْحَرج من نُفُوسهم من حكمه ويسلموا لحكمه وَهَذَا حَقِيقَة الرضى بِحكمِهِ فالتحكيم فِي مقَام الاسلام وَانْتِفَاء الْحَرج فِي مقَام الايمان وَالتَّسْلِيم فِي مقَام الاحسان وَمَتى خالطت الْقلب بشاشة الايمان واكتحلت بصيرته بِحَقِيقَة الْيَقِين وحيي بِروح الْوَحْي وتمهدت طَبِيعَته وانقلبت النَّفس الامارة مطمئنة راضية وَادعَة وتلقى الاسلام بصدر منشرح فقد رَضِي كل الرضى بِهَذَا الْقَضَاء المحبوب لله وَرَسُوله انْتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>