للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرزق الْمعد للأبدان وَالله تَعَالَى هُوَ رازقه لكنه يساق الى الاعضاء وَيكون من الْحَلَال وَالْحرَام وَالله رازقه بِهَذَا الِاعْتِبَار وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد اخْتلف فِيهَا فَقيل إِن الْحَرَام رزق وكل يَسْتَوْفِي رزقه حَلَالا كَانَ أَو حَرَامًا لحُصُول التغذي بهَا جَمِيعًا غير ان العَبْد يسْتَحق الذَّم وَالْعِقَاب على أكل الْحَرَام خلافًا للمعتزلة فانهم قَالُوا الْحَرَام لَيْسَ برزق وفسروه تَارَة بمملوك يَأْكُلهُ الْمَالِك وَتارَة بِمَا لَا يمْنَع عَن الِانْتِفَاع بِهِ وَذَلِكَ لَا يكون الا حَلَالا فيلزمهم على التَّفْسِير الأول أَن مَا يَأْكُلهُ الدَّوَابّ لَيْسَ برزق مَعَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} هود فَيكون مصادما لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن تكون كل دَابَّة مرزوقة وَلَا يَنْفَعهُمْ زعمهم ان تَسْمِيَة مَا يَأْكُلهُ الدَّوَابّ رزقا مَبْنِيّ على تشبيهه بِمَا هُوَ مَمْلُوك الانسان فيأكله فَيكون لفظ الرزق مجَازًا عَمَّا تَأْكُله الدَّوَابّ فَلَا يلْزم أَن تكون كل دَابَّة مرزوقة حَقِيقَة لأَنا نقُول هَذَا التَّأْوِيل مُخَالف لظَاهِر الْقُرْآن وَهُوَ خلاف الْمُتَعَارف فِي اللُّغَة فَلَا يَصح ارتكابه من غير ضَرُورَة ثمَّ إِن تفسيرهم الرزق بذلك لَيْسَ بمطرد وَلَا منعكس لدُخُول ملك الله تَعَالَى وَخُرُوج رزق الدَّوَابّ وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء يلْزمهُم أَيْضا على الْوَجْهَيْنِ أَن من اكل الْحَرَام طول عمره لم يرزقه الله تَعَالَى أصلا وَهُوَ خلاف الاجماع الْحَاصِل من الامة قبل ظُهُور الْمُعْتَزلَة ان لَا رَازِق الا الله وَإِن اسْتحق العَبْد اللوم والذم على اكل الْحَرَام وَالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى مُعْتَبرَة فِي مَفْهُوم الرزق وكل أحد مستوف رزق نَفسه حَلَالا كَانَ اَوْ حَرَامًا وَلَا يتَصَوَّر ان يَأْكُل الانسان رزقه أَو يَأْكُل غير رزقه لِأَن مَا قدر الله تَعَالَى غذَاء لشخص يجب أَن يَأْكُلهُ وَيمْتَنع أَن يَأْكُلهُ غَيره وَالله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>