للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي نصبها لِعِبَادِهِ هِيَ قبْلَة وَاحِدَة وَهِي الْقبْلَة الَّتِي أَمر الله عباده أَن يتوجهوا اليها حَيْثُ كَانُوا لاكل جِهَة يولي وَجهه اليها فانه يولي وَجهه الى الْمشرق وَالْمغْرب وَالشمَال وَمَا بَين ذَلِك وَلَيْسَت تِلْكَ الْجِهَات قبْلَة الله فَكيف يُقَال أَي وجهة وجهتموها واستقبلتموها فَهِيَ قبْلَة الله فان قيل هَذَا عِنْد اشْتِبَاه الْقبْلَة على الْمُصَلِّي وَعند صلَاته النَّافِلَة فِي السّفر قيل اللَّفْظ لَا شعار لَهُ بذلك الْبَتَّةَ بل هُوَ عَام مُطلق فِي الْحَضَر وَالسّفر وَحَال الْعلم والاشتباه وَالْقُدْرَة وَالْعجز يُوضحهُ أَن إِخْرَاج الِاسْتِقْبَال الْمَفْرُوض والاستقبال فِي الْحَضَر وَعند الْعلم وَالْقُدْرَة وَهُوَ أَكثر أَحْوَال الْمُسْتَقْبل وَحمل الْآيَة على اسْتِقْبَال الْمُسَافِر فِي التنقل على الرَّاحِلَة وَحَال الْغَيْم وَنَحْوه بعيد جدا عَن ظَاهر الْآيَة وإطلاقها وعمومها وَمَا قصد بهَا فان أَيْن من أدوات الْعُمُوم وَقد أكد عمومها بِمَا اراده لتحقيق الْعُمُوم كَقَوْلِه {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} الْبَقَرَة وَالْآيَة صَرِيحَة فِي أَنه أَيْنَمَا ولى العَبْد فثم وَجه الله من حضر أَو سفر فِي صَلَاة وَغَيرهَا وَذَلِكَ أَن الْآيَة لَا تعرض فِيهَا للْقبْلَة وَلَا لحكم الِاسْتِقْبَال بل سياقها لِمَعْنى آخر وَهُوَ بَيَان عَظمَة الرب تَعَالَى وسعته وَأَنه أكبر من كل شَيْء وَأعظم مِنْهُ وَأَنه مُحِيط بالعالم الْعلوِي والسفلي فَذكر فِي أول الْآيَة إحاطة ملكه فِي قَوْله وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب الْبَقَرَة منبها بذلك على ملكه لما ابينهما ثمَّ ذكر عَظمته سُبْحَانَهُ وَأَنه أكبر وَأعظم من كل شئ فأينما ولى العَبْد وَجهه فثم وَجه الله ثمَّ ختم باسمين دالين على السعَة والاحاطة فَقَالَ {إِن الله وَاسع عليم} فَذكر اسْمه الْوَاسِع عقيب قَول فأينما توَلّوا فثم وَجه الله كالتفسير وَالْبَيَان والتقرير لَهُ فَتَأَمّله فَهَذَا السِّيَاق لم يقْصد بِهِ الِاسْتِقْبَال فِي الصَّلَاة بِخُصُوصِهِ وَإِن دخل فِي عُمُوم الْخطاب حضرا وسفرا بِالنِّسْبَةِ الى الْفَرْض وَالنَّفْل وَالْقُدْرَة وَالْعجز

<<  <  ج: ص:  >  >>