للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحالة الثانية: (أنْ يحكي إمامُ المذهبِ الإجابةَ، ويرى فسادَها) باطلةٌ؛ لوجهين:

الوجه الأول: أنَّ المذهبَ الفاسدَ لا تجوزُ حكايتُه عن أحدٍ، ولا إنشاؤه ابتداءً.

الوجه الثاني: أنَّ الواجبَ على الحاكي، حين يَرَى فسادَ القولِ أنْ لا يسكتَ عن بيانِ بطلانِه.

والحالة الثالثة: (أنْ يحكي إمامُ المذهب الإجابةَ، ولا يعلم صحتها، ولا فسادها) باطلةٌ أيضًا؛ لأنَّ الجوابَ إنَّما يكون عن علمٍ، ولا يجوزُ أنْ يجيبَ بشيءٍ لا يَعْلمُ صحتَه ولا فسادَه.

فإذا بَطَلَت الحالتانِ: الثانية والثالثة، لم تبقَ إلا الحالةُ الأولى: (أنْ يحكي إمامُ المذهبِ الإجابةَ، ويرى صحتها)، وهذا هو المطلوبُ (١).

أدلةُ أصحابِ القولِ الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:

الدليل الأول: قد يحكي إمامُ المذهبِ في بعض إجاباته قولَ فقيهٍ، ثمَّ في موضعٍ آخر يذهبُ إلى غيرِ القول الذي حكاه (٢)، وقد وَقَعَ هذا الأمرُ للإمامِ أحمدَ بن حنبل، فمن ذلك: أنَّ الإمامَ أحمدَ سُئِلَ عمَّنْ نسي مسحَ رأسِه، أيجزئه بلَلُ لحيتِه؟ فقالَ: "قد قالَ بذلك قومٌ".

وليس هذا مذهب الإمامِ أحمدَ (٣).

مناقشة الدليل الأول: إن ما يذكره الإمامُ عن غيرِه منسوبٌ إليه، إلا إذا جاءَ موجبٌ ينقلنا عن جوابِه بمقالةِ غيرِه.

وأمَّا ما ذكرتموه في دليلِكم عن الإمامِ أحمد، فقد جاءَ عنه ما ينقلُ


(١) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٥٢٨ - ٥٢٩).
(٢) انظر: صفة القوى (ص / ١٠١).
(٣) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٥٢٦)، والمغني لابن قدامة (١/ ١٨)، والإنصاف (١/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>