للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: المراد به رؤية جبريل لربه، قيل: لا يصح لوجهين: أحدهما أنه قد تقدم ذكرهما وأقرب المذكور النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه قال تعالى {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١)} [النجم: ١٠، ١١] والمراد به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الوحي كان إليه، ثم قال بعده {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣)} [النجم: ١٣]. والثاني قوله {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢)} [النجم: ١٢] والمماراة إنما كانت بين قريش وبين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم تكن بينها وبين جبريل.

فإن قيل: يحتمل أن يكون جبريل عند السدرة والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأرض خرقت له الحجب. قيل: لو كان كذلك لنقل ذلك لأنه من أعظم المعجزات.

٨٨ - الدليل الثاني: أن في حديث أبي هريرة فيما خرجه أبو عبد الله بن بطة قال: لما رجع النبي ليلة أسري به بلغ ذا طوى، فشدَّد بنو عبد المطلب يلتمسونه، قال: فصرخ به العباس فأجابه قال: لبيك، قال: أين كنت ابن أخي الليلة؟ قال: أتيت بيت المقدس، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا جبريل إنَّ قومي لا يصدقوني، قال: يصدقك أبو بكر الصديق (١) وهذا صريح في نقل جسمه من موضعه (٢).


(١) لم أقف عليه.
(٢) قال ابن جرير -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسيره (١٥/ ١٣ - ١٤): والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما أخبر الله عباده وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله حمله على البراق حتى أتاه به، وصلى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات.
ولا معنى لقول من قال أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان ذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلًا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقة فيه، إذ لم يكن منكرًا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة ألف سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل؟! =

<<  <   >  >>