وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يُرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلًا، ولكن لابد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقًا أتى من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس. قال بعض المشايخ: إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابًا بينه وبين الله. وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم، وما أظن عاقلًا ينكر ذلك، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه، إذا الرؤية تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام، ولكن لعلهم قالوا: لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام. فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي-، وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه. وقول من يقول ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه، ونحو ذلك، إذا حمل على مثل هذا كان محملًا صحيحًا، فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسبًا مشابهًا لها، فالله تعالى أجل وأعظم اهـ (تلبيس الجهمية (١/ ٧٢ - ٧٤)). وقال في "الوصية الكبرى" (ص ٢٧ - بتحقيقنا) وهي في مجموع الفتاوى (٣/ ٣٩٠): وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانًا صحيحًا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق.