للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والثاني: أنَّ ها هنا كِناية ومكني، فيجبُ أنْ تَرجعَ إلى المقصود بالذكر هو الله سبحانه، كما لو قال: فلان عن يمين الخليفة، لا ينصرف ذلك إلى غيره.

فإن قيل: معنى القدم ها هنا المتقدم من المشركين يضعه في النار، لأنَّ العرب تقول للشيء المتقدم: قدم، وعلى هذا تأويل قوله تعالى {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: ٢]. أي أي سابقة صِدْق (١)، قال وضَّاح اليمن (٢):

صلِّ لرَبِّك واتخذ قَدَمًا … يُنْجيك يوم العثار والزلل

أراد بذلك ما تقدم من الشرف، وما يفتخر به.

قيل: هذا غلطٌ لوجهين: أحدهما: أنَّ قوله "يضع قدمه" هاءُ كناية، وهاء الكناية ترجع إلى المذكور، والمذكور في الخبر الله سبحانه، وفي لفظٍ آخر "الجبَّار" وفي لفظٍ آخر "رَبُّ العزة"، فوجب أن يرجع إليه، فأمّا المتقدم من الكفار فلم يتقدَّم ذكرهم، فلا يجب رجوع الهاء إليهم.

والثاني: أنَّ هذا يُسقط فائدة التخصيص بالنار، لأنَّ المتقدم بفعل الخير يضعه في الجنة، فلو كان المراد بالقدم المتقدم لم يكن لتخصيصه بالنار فائدة، فوجب حَمْلهُ على ظاهره ليُفيد فائدة.

وأمّا قوله سبحانه {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: ٢] فقد روي عن زيد بن أسلم المراد به محمد -صلى الله عليه وسلم- (٣).


(١) حكاه ابن فورك في "مشكل الحديث" (ص ٤٤) عن النضر بن شميل.
وقاله ابن حبان، انظر الإحسان (١/ ٤٢٧ - ٤٢٨) ط الأرنؤوط.
(٢) هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال المعروف بوضَّاح اليمن، من آل خولان من حمير، شاعر رقيق الغزل، عجيب النسيب.
توفي نحو ٩٠ هـ. (فوات الوفيات (٢/ ٢٧٢ - ٢٧٥)، الأعلام (٣/ ٢٩٩).
(٣) ضعيف، أخرجه ابن جرير (١١/ ٥٩) حدثني المثني حدثنا إسحاق حدثنا عبد الله بن الزبير عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم به. =

<<  <   >  >>