للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولأنَّ قوله "لا تمتلئ" تعظيمًا لحالها وشدَّة غيظها، قال تعالى {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: ٨] وما هذا صفته لا يَكُفُّه وضع بعض الجبابرة من الكفار، وإنما يكفيه قَدَمُ الصفة، ولأنه قال: "ينزوي بعضها إلى بعض" يعني يجتمع، وهذا لا يُوجد ببعض خلقه، لأنَّ النار تسحقه، كما قال {فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [تبارك: ١١] وإنما تجتمع من قَدَمِ الصِّفة.

فإن قيل: الحديث الذي رُوي فيه "يضع رجله" لم يروه إلا بعضهم على الشك، فرواه الدارقطني بإسناده: عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يُلقى في النار وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع رجله فيها -أو قال: قدمه- فتقول: قِط قِط" (١)، فذكره على لفظ الشك فاحتمل أن يكون لما التبس عليه اللفظ وتَوَهَمَ أنَّ القدم لا يكون إلا رجلًا بدل القدم الرجل.

قيل: هذا غلطٌ، لأنَّا قد روينا هذها اللفظ بإسناده عن أبي هريرة من غير شك في اللفظ.

فإن قيل: فنتأول الرجل على نحو تأويلنا القدم، إمّا أن يُريد رجل بعض خلقه فأضافه إليه مُلْكًا وفعلًا، أو يُراد به رجل المتجبرين من خلقه، ولأنَّه قد قيل الرجل للجماعة الكثيرة، ولأنَّ العرب تقول: مَرَّ بنا رجل من جراد، أي "قطعة منها" (٢).

قيل: هذا غلطٌ لما تقدم، وهو أن هاء الكناية يرجع إلى المذكور المتقدم ولأنَّه صرح باسمه الأعظم.


(١) كتاب "الصفات" للدارقطني (ص ٢٨).
(٢) انظر مشكل الحديث لابن فورك (ص ٤٦)، وذكر هذا التأويل الخطابي كما في "الأسماء والصفات" للبيهقي (ص ٣٥٢).

<<  <   >  >>