للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: الطريق الصحيح ما ذكرنا من حمله على ظاهره، وهو الأشبه بأصول أحمد في نظائره من الأخبار لما بينَّا، وهو أنَّه ليس في ذلك ما يحيل صفاته، وما ذكروه من التأويل لا يصح، لأن الله تعالى راضٍ بذلك قبل وجود هذه الأفعال منهم، ومُعَظِّمٌ لها قبل وجودها، فرضاه وتعظيمه لا يختص ما ذكر في الأخبار، فلم يصح حملها عليه، لأنه حَمْلٌ على ما لا يفيد.

فأما قوله "يقادون إلى الجنة بالسلاسل" فقيل فيه إنهم يَكرهون الطاعة التي يصلُون بها إلى الجنة، من حيثُ تخالف أهوائهم وشهواتهم، وتكرهها نُفُوسهم من حيثُ تَشُقُّ عليهم، وتصدهم عن الراحات واللذات في الحال، لكنها سائقة لهم إلى الجنة، وهي دَارُ الراحات.

٢٣٩ - وقد قال أحمد في رواية الفضل بن زياد (١) وقد سأله عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل" قال: هو هذا السبي الذين يسبون فيدخلون في الإسلام، ونحو ذلك نقل أبو الحرث (٢).

٢٤٠ - فأمَّا قوله {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢)} [الصافات: ١٢]، فقد رُوي عن


(١) هو أبو العباس الفضل بن زياد القطان البغدادي، ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان من المتقدمين عند أبي عبد الله، وكان أبو عبد الله يعرف قدره ويكرمه، وكان يصلي بأبي عبد الله، فوقع له عن أبي عبد الله مسائل كثيرة، وحدث عنه جماعة منهم: يعقوب بن سفيان الفسوي.
(تاريخ بغداد ١٢/ ٣٦٣)، طبقات الحنابلة (١/ ٢٥١ - ٢٥٣).
(٢) يؤيد هذا القول ما أخرجه البخاري في التفسير (٨/ ٢٢٤) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠]، قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
قال ابن الجوزي: معناه أنهم أُسروا وقيدوا، فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعًا فدخلوا الجنة، فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول، وكانه أُطلق على الإكراه التسلسل، ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب (الفتح ٦/ ١٤٥).

<<  <   >  >>