للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والثاني: أنه إنْ جازَ تأويله على هذا، جازَ تأويل قوله: "ترون ربكم" على التَّعَطُّفِ والرحمة والكرامة، وقد اتفقنا ومثبوا الصَّفَات على فساد هذا التأويل، كذلك ها هنا.

فأمَّا قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦]. فالمراد به علمه لأنَّه قد تقدم ذِكْر العلم في أولِ الآية بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} فوجبَ حمله على العلم (١).

٢٨٦ - وقد قال أحمد في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧]. علمه لأنه افتتح الآية بالعلم بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} وختم بالعلم بقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

وأما قوله: "من قرب شبرا قربت منه ذراعًا" فإنَّ تَقَرُّب العبدُ إليه بالأعمال الصالحة، وأمَّا تقربه إلى عبده فبالثواب وبالرحمة والكرامة، لأنه رُوي ذلك مفسرًا في بعض ألفاظِ الحديث، وقد ذكرناه في الكلام على قوله: "يُدني عبده حتى يضع عليه كنفه"، وذكرناه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن جاء يمشي أقْبَل الله إليه بالخير يُهرول" (٢). فقد نصَّ على أنَّ إقبال عليه بالخير، فدل على ذلك.

وفي هذا الفصل حكايتين ذكرهما أبو بكر أحمد بن محمد الخلال في "سُننه":

٢٨٧ - أحدهما: قال سمعت أبا سعيد الفقيه المصيصي الحسن بن علي بن عمر قال: قال أبو صفوان: رأيت المتوكل في النَّوم وبين يديه نارٌ مُؤججةٌ عظيمةٌ، فقلت: يا أمير المؤمنين لمن هذه؟ قال: لإبني


(١) قد سبق الكلام في تفسير الآية، وأن المراد: قرب ملائكته، انظر (الجزء الأول/ ٢٢٩).
(٢) انظر (الجزء الأول/ ٢٢٧ - ٢٣١).

<<  <   >  >>