للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . .


= صورةً إلا ذهبوا حتى يتساقطون في النار" فالله -سبحانه وتعالى- يحتجب عن هؤلاء الذين يتساقطون في النار ويبقى من كان يعبد الله وحده من برٍ وفاجر ومنافق وبقايا أهل الكتاب.
إلى أن قال: وأما المنافقون فإنما كانوا يكذبون بذلك بقلوبهم ويُقرون بألسنتهم رياءً وسمعة فقد يتراءى لهم رؤية امتحان واختبار، وليكون حجبه إياهم بعد ذلك عن رؤيته حسرةً وندامة إذْ لم يصدقوا به بقلوبهم وضمائرهم، وبوعده ووعيده، وما أمر به ونهى عنه، وبيوم الحسرة والندامة. وفي حيث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة: "قال فيلقى العبد فيقول: أي قُل ألم أكرمك" إلى قوله: "فاليوم أنساك كما نسيتني" فاللقاء الذي في هذا الخبر غير التراءي، لأنَّ الله -عز وجل- يتراءى لمن قال له هذا القول، وهذا الكلام الذي يكلم به الرب جلَّ ذكره عبده الكافر يوم القيامة كلامٌ من وراه الحجاب من غير نظر الكافر إلى حالته في الوقت الذي يكلم به ربه عزَّ وجلَّ" اهـ. المراد من كلامه.
وقد علَّق الهراس -رحمه الله- على كلامه، فقال عند ذكره لقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)}: الحق أن الآية عامة في جميع الكفار والمنافقين، وذلك بعد أن يدخلوا النار، وأما في عَرَصات القيامة فيرونه جميعًا.
وقال: وكيف يُعقل لقاء بغير رؤية! وقد ذكر هنا أنه يلقاه ويكلِّمه، والكلام غير اللقاء، واللقاء هو المواجهة. اهـ. وانظر تعليقه (ص ١٥٠).
وهذه المسألة -وهي هل يرى الكافر ربه- مسألة اختلف فيها علماء السلف رحمهم الله تعالى، والصواب فيها أن الكافر يرى ربه لا على جهة التكريم، وإنما لمناقشة الحساب ثم يُحجب عن الرؤية.
وقد قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في سؤال وجه له عن لقاء الله تعالى فأجاب: "الحمد لله، أما "اللقاء" فقد فسَّره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة، بعد السلوك والسير، وقالوا: إنَّ لقاء الله يتضمن رؤيته -سبحانه وتعالى-، واحتجوا بآيات "اللقاء" على من أنكر رؤية الله في الآخرة من الجهمية كالمعتزلة وغيرهم.
وجعلوا اللقاء يتضمن معنيين: أحدهما: السير إلى المَلِك، والثاني: معاينته كما قال: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦)} فذكر أنَّه يكدح إلى الله فيلاقيه، والكدح إليه يتضمن السلوك والسير إليه، واللقاء يعقبهما.
وأمَّا المعاينة من غير مسيرٍ إليه -كمعاينة الشمسْ والقمر- فلا يسمى لقاء، وقد يراد باللقاء الوصول إلى الشيء، والوصول إلى الشيء بحسبه. =

<<  <   >  >>