للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . .


= فُلْ! ألم أكرمك وأُسودك وأزوجك وأسخِّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب، قال فيقول: فظننت أَّنَّك مُلاقيْ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساكَ كما نسيتني، ثم قال: يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك فيقول: أي ربِّ آمنتُ بك وبكتابك وبرسلك، وصلَّيت وصمتُ وتصدَّقت ويثني بخيرٍ ما استطاع، فيقول: ههنا إذًا، قال: ثم يقال الآن نبعثُ شاهدنا عليك، ويتفكَّر في نفسه مَنْ ذَا الذي يشهدُ على؟ فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي، فتنطقُ فخِذُه ولحمه وعظامه بما كان يعمل، فذلك المنافق ليعذر من نفسه، وذلك الذي يسخط عليه … ".
ثم ذكر بعد كلام له في الردِّ على المعتزلة وأشباههم، الذين ينكرون لقاء الله تعالى ورؤيته بالكلية، بعض الأدلة التي تُبين أيضًا أن لقاء الله تعالى غير الجزاء، مثل: قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: " … وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق … " ففي الحديث فَرَّق بين لقائه وبين والنار.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أ؟ دٍ إلا سيلكِّمه الله ليس بينه وبينه حاجبٌ ولا ترجمُان".
ومنها: أنه لو أُريد بـ "لقاء الله" بعض المخلوقات -إما جزاءً وإمَّا غير جزاء- لكان ذلك واقعًا في الدنيا والآخرة، فكان العبد لا يزال ملاقيًا لربه، ولما علم المسلمون بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ لقاء الله لا يكون إلا بعد الموت، عَلِمَ بطلان أنَّ "اللقاء" لقاء بعض المخلوقات. ومعلومٌ أنَّ الله قد جَازَى خلقًا على أعمالهم في الدنيا بخير وشر، كما جازى قوم نوح وعاد وثمود وفرعون، وكما جازى الأنبياء وأتباعهم، ولم يقُلْ مسلمٌ إن لقاء هذه الأمور في الدنيا لقاء الله.
ومنها: أن قوله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (٤٤)}.
فلو كان "اللقاء" هو لقاء جزائه لكان هو لقاء الأجر الكريم الذي أعدَّ لهم، وإذا أخبر بأنهم يلقون ذلك لم يَحسن بعد ذلك الإخبار بإعداده، إذْ الإعداد مقصودة الوصول، فكيف يخبر بالوسيلة بعد حصول المقصود؟ لا سيما وقد قَرَن اللقاء بالتحية، وذلك لا يكون إلا في اللقاء المعروف، لا في حصول شيء من النعيم المخلوق.
ومنها: أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ الله كره الله لقاءه" أخبر فيه أن الله يحب لقاء عبد ويكره لقاء عبد، وهذا يمتنع حمله على الجزاء، لأنَّ الله لا يكره جزاء أحد، ولأن الجزاء لا يلقاه الله، ولأنه إنْ جاز أن يلقى بعض المخلوق كالجزاء أو غيره جاز أنْ يلقى العبد، فالمحذور الذي يُذكر في =

<<  <   >  >>