للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

نثطلق كفًا هو صفةٌ كما أطلقنا يدين ووجهًا وعينًا وسمعًا وبصرًا وذاتًا، كذلك لا يمتنع إطلاق ذلك في الكَفِّ، ويكون فائدة الخبر الترغيب والحث في الصَّدقة، وأنَّها مما يَجَبُ أنْ يُقصد بها الطَّيب من المال، لحصولها في كَفِّ الرحمنِ، وأنه لا يقبل منا إلا الطَّيب.

فإن قيل: معنى الكفِّ ها هنا: المُلكُ والسُّلطان، فيكون تقديره يقع في ملكه وسلطانه، قال الأخْطَل (١):

أَعَاذِلَ إنَّ النَّفْسَ في كَفِّ مَالكٍ … إذا ما دَعَا يومًا أجَابَتْ به الرسلا

وكان عمر -رضي الله عنه- يُنشد كثيرًا هذين البيتين:

هَوَّن عليكَ فإنَّ الأَمورَ … بكفِّ الإلهِ مَقادِيرها

فليس بآتِيكَ مَنْهِيُّهَا … ولا قَاصِرٌ عنكَ مَأمُورُها (٢)

وهذا مستعمل في كلامهم: فلان في كفي، يُريدون بذلك يَجْري عليه أمري، وربما قيل المراد بالكف: الأثرُ والنِّعمة، ومعناه تقع منكم بنعمةٍ من الله وتوفيقه إياكم لفعلها، ومنه قول ذي الإصبع (٣):


(١) هو الأخطل التغلبي النصراني، واسمه غياث بن غوث بن الصلت.
قيل للفرزدق: من أشعر الناس؟ قال: كفَاكَ بي إذا افتخرت، وبجرير إذا هجا، وبابن النصرانية إذا امتدح، وقد حصَّل أموالًا جزيله من بني أمية، ومات قبل الفرزدق بسنوات. انظر: المؤتلف والمختلف (ص ٢١)، الشعر والشعراء (٣٩٣)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٥٨٩).
(٢) أخرجه البيهقي في "الأسماء" (ص ٣٣٢) عن حماد بن عمرو الأسدي عن حماد بن ثلج عن ابن مسعود قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثيرًا ما يخطب: أن يقول على المنبر، فذكر البيتين وفيه: خفض عليك، بدل: هون عليك، وفيه: حماد بن ثلج لم أجد له ترجمة!
(٣) هو ذو الإصبع العَدواني واسمه حرثان بن حارثة بن محرث، ويقال: الحارث بن ثعلبة بن ضرب، وقيل له: ذو الإصبع، لأنَّ أفعى ضربت إبهام رجله فقطعها، وهو أحد حكماء الشعراء، عمر دهرًا، وهو القائل:
يا عمرو إلا تَدَع شتمي ومَنقصتي … أضربك حيث تقول الهَامَة اسْقُوني
انظر "المؤتلف والمختلف" لأبي القاسم الآمدي (١١٨).

<<  <   >  >>