للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه، لما بينَّا في الخبر الذي قبله، لأنَّا لا نُثْبت أَصَابِعًا هي جارحة ولا أَبْعاضًا، وإنَّما نطلق ذلك كما أطلقنا تَسْمية اليَدَين والوَجه والعَين وغير ذلك، ويكون المقْصود بالخبر الفَزَع من الله سبحانه والمسارعة إلى الطَّاعات والخوف من سُوءِ المنقلب (١).

فإن قيل: يُحتمل أنْ يكون المرادُ بالأَصابع المُلْك والقُدرة، ويكون فائدته أنَّ قُلوبهم في قبضته جارية على قدرته، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا على طريق المثل، كما يقال: ما فلان إلا في يدي وخنصري، ويريد بذلك أنَّه عليه مُسَلَّطٌ، وأنَّه لا يتعذر عليه ما يريده منه، ويحتمل أن الأُصْبُعَين ها هنا بمعنى النِّعمتين، وقد تقول العرب: لفلانٍ على فلان إصبع حَسَنٌ، إذا أَنعم عليه نِعْمةَ حسنة، ومنه قول الشاعر:

ضَعِيفُ العَصا بَادِي العُرُوق تَرَى له … عليه إذا مَا أَجْدَبَ النَّاسُ إصْبَعَا (٢)


(١) ما سبق من الأحاديث النبوية صحيحة وصريحة في إثبات صفة "الأصابع" لربِّنا جلَّ شأنه، وليس في ذلك غضاضة على المسلم -كما يحاول المعطلة أن يشنعوا- لأنَّه يُثبت ما أثبته أعلم الخلق بربه، وليس فيما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله تشبيهُ ولا تمثيل.
قال أبو بكر بن خزيمة -رحمه الله- في "التوحيد" (ص ٧٩ - ٨٠): باب إثبات الأصابع لله -عز وجل- من سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- قيلًا له، لا حِكايةً عن غيره، كما زعم بعض أهل الجهل والعناد أن خبر ابن مسعود ليس هو من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- تصديقًا لليهودي. اهـ.
يريد أن المعطلة ردوا الاحتجاج بخبر الحَبر اليهودي، الذي سيذكره المصنف بعد.
بدعوى أنه صدر عن اليهودي لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- -وسيأتي الردُّ على هذه الشبهة- فما عساهم أن يقولوا عن كلامه الصريح هنا -صلى الله عليه وسلم- في إثبات الأصابع؟!
هذا ما سيذكره المصنف الآن عنهم من التأويلات والتحريفات.
(٢) ذكره ابن منظور في "اللسان" (٤/ ٢٣٩٥) ولم يعزه لأحد، إنما قال: "قال الراعي يصفُ راعيًا … فذكره، لكن فيه: عليها إذا ما أجدب … " -وكذا هو في مختلف الحديث لابن قتيبة (ص ١٤١) -، ثم شرحه فقال: "ضعيف العصا أي: حاذِق الرعية لا يضرب ضربًا شديدًا، يصفه بحسن قيامه على إبله في الجَدْب، وصَبَعَ به وعليه يصْبَع صبْعًا: أشار نحوه بإصبعه واغتابه، أو أراده بشرٍّ، والآخر غافل لا يشعر".

<<  <   >  >>