قال الشارح: وإنما قالوا: منه بدا أي: خرج، لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون: إنه خَلَقَ الكلام في محلٍّ فبدا الكلام من ذلك المحل! فقال السلف: منه بدا، أي هو المتكلم به فمنه بدا، لا من بعض المخلوقات كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)} [الزمر: ١]، {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: ١٣]، {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: ١٠٢] ومعنى قولهم: وإليه يعود: يُرفع من الصدور والمصاحف، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف، كما جاء ذلك في عدة آثار، وقوله بلا كيفيةٍ: أي لا تُعرف كيفية تكلُّمه به قولًا ليس بالمجاز. اهـ وقال شيخ الإسلام: فقول السلف: منه بدا، لم يريدوا به أنه فارق ذاته، وحلَّ في غيره، فإن كلام المخلوق بل وسائر صفاته لا تفارقه وتنتقل إلى غيره، فكيف يجوز أن يفارق ذات الله كلامه أو غيره من صفاته اهـ (مجموع (١٢/ ٢٧٤)). وقول المصنف: "وليس المراد به الخروج الذي هو بمعنى الانتقال والمفارقة لأنه ليس بجسم ولا جوهر … " إنما هو من كلام أهل الكلام! فإن القرآن أنزله الله على رسوله وحيًا، أي أنزله إليه على لسان الملك، سمعه الملك جبرائيل من الله، وسمعه الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - من الملك ثم قرأه على الناس، قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦)} [الإسراء: ١٠٦]، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٣]، وتنزيله من عند الله فيه بيان أنه من الله لا مخلوق من المخلوقات، وليس من عند جبريل ولا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما زعمه المبتدعة. وفيه إثبات صفة العلوم. (انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص ١٤٩ - ١٥٠) لنا و"درء تعارض العقل والنقل" (٢/ ١١٣)، ومجموع الفتاوى (١٢/ ١١٧ - ١٤٠، ٢٤٦ - ٢٥٧). (١) وذلك أن الكلام من صفاتِ الله تعالى القائمةِ به، فلا يصح أن يقال: أن الكلام بائنُ منه! بل هذا قول الجهمية الزاعمين أن الله خَلَقَ الكلام في محل، وبدا الكلام من ذلك المحل! مخلوقًا منفصلًا عن الله بائنًا منه، وعطَّلوا الربَّ من الاتصاف بصفة الكلام! تعوذ بالله من الخذلان! =