للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبحانه بالإرادَة وإنْ خالفت إرادة المخلوقين، لأن إرادته تقتضي وجوب المراد، وإرادتنا لا تقتضي وجوبه، وكذلك علمه يقتضي العلم بالمعدوم والموجود خلاف علمنا، وكذلك رؤيته لا تقتضي وجوده في جهة، خلاف رؤية بعضنا، ولأنَّه لو لم يوصف بالحياء جاز أنْ يُوصف بضده وهو "القُحَة" (١) ولما لم يُوصف بضده جاز أنْ يُوصف به، ألا ترى أنَّا وَصَفْنَاه بالعلم والقُدرة والكلام، لأنَّ في نفيها إثبات أضدادها، وذلك مستحيل عليه. فإن قيل: يُحمل قوله: "يستحي" على التَرك، فيكون قوله: "يستحي" بمعنى لا يترك يدي العبد خالية من خير، إذا رَفعها إليه في الدعاء، قالوا: وعلى هذا يُتأوَّل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة:٢٦] أي لا يترك، لأنَّ المستحي يترك للحياء أشياء، كما يترك للإيمان، وينقطع بالحياء عن المعاصي، كما ينقطع بالإيمان عنها، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحياء شُعْبَةٌ من الإيمانِ" (٢).


= الإعراض عنه، خصوصًا إذا تضمَّن نفي صفةٍ ثابتة.
وقول المصنف قبل ذلك عن الحياء عند المخلوقين إنه انقباض وتغير … إلخ لا يمنع من إطلاق صفة "الحياء" في حق الله سبحانه، إذْ من المعلوم أنه ليس كل ما لزم ذوات المخلوقين وصفاتههم من حاجة ونقص ونحوه، فهو لازم لصفات الله تعالى! فإن الله تعالى قال عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فالقول فيها كالقول في باقي الصفات.
(١) القُحُّ: الخالص من اللؤم والكرم ومن كل شيء، يقال: لئيم قُحٌّ إذا كان مُعْرِقًا في اللؤم، وأعرابي قُح وقُحاح أي: محض خالص.
والقُحُّ: الجافي من الناس كأنه خالص فيه (اللسان - قحح).
(٢) أخرجه البخاري (١/ ٥١) ومسلم (١/ ٦٣) عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمانُ بِضْعٌ وسُتون شُعبةَ، والحياءُ شُعبة من الإيمان" لفظ البخاري، أما لفظ مسلم: "بضع وسبعون شعبة".
ورواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "الإيمان بضع وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة فأفضلهُا قول: لا إله إلا الله، وأَدْنَاها إماطة الأَذى عن الطريق، والحياءُ شُعبة من الإيمان".
ورواية "بضع وستون" هي الأرجح، انظر الفتح (١/ ٥١ - ٥٢).

<<  <   >  >>