للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أجله، فقد قهره في مراده وغلبه في حكمه وذلك لا يليق بوصفه (١).

ولأنَّ من قال منهم بقطع الأجل؛ يلزمه أنْ يقول بزيادة الأجل إذا وَصَلَ رحمه وتجنب الآفات، وهذا لازمٌ لمن فَرَّق بين الأمرين، ومن جمع بين الزيادة والنقصان فقد خالف ظاهر الكتاب والسنة.

فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩].

قيل: قد قيل فيه وجوه: أحدهما: أن معناه أن الله ينسخ من الأحكام ما يشاء وذلك محوه، ويُثبت فيها ما يشاء وهو إثباته وتقديره، وقد يُوصف تعالى بالنسخ والإثبات ولا يدعوا ذلك إلى البداء ولا إلى الزيادة في العمر.

وقيل فيه: معناه يمحو ما سَبَقَ من الذنوب بالتوبة المتعقبة لها، ويثبت التوبة وحكمها.


(١) هذا قولهم قبحهم الله، ومن ذلك أن أعرابيًّا وقف على حلقةٍ فيها عمرو بن عبيد - كبير المعتزلة ومن أولهم - فقال: يا هؤلاء إن ناقتي سُرقت، فادْعُوا الله أن يَرُدَّها عليَّ، فقال عمرو بن عبيد: اللهم إنك لم تُرد أن تُسرق ناقته فسرقت! فارددها عليه، فقال الأعرابي - بفطرته - لا حاجةَ لي في دعائك! قال: ولم؟ قال: أخافُ كما أرادَ أن لا تُسرق فسرقت، أنْ يريد ردَّها فلا تُرد!!
وسبب ضلالهم هذا؛ أنهم زعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، فرَّوا إلى هذا لئلا يقولوا: شاء الكفر من الكافر وعذَّبه عليه! ولكنهم صاروا كالمستجير من الرمضاء النار، فإنهم هربوا من شيء، فوقعوا فيما هو شرٌّ منه، فإنه يلزمهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى، وهو من أقبح الاعتقاد!
والصواب أن الله تعالى شاء أن يقع الكفر من الكافر ولكنه لا يحبه ولا يرضاه فيشاؤه، كونًا ولا يرضاه دينًا، قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}، ومنشأ ضلالهم إنما هو في التسوية بين المشيئة، والرضا والمحبة.
انظر العقيدة الطحاوية (ص ١١١) وما بعدها بشرحنا.

<<  <   >  >>