للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: نحمل قوله: "يمشي" يرجع إلى أفعاله، مثل قولنا: يعدل ويحسن ويخلق ويحرك ويشكر، وقوله: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠]. معناه: مقدرها ومدبرها، أو على فوق الغمام، لا على أنه فيها كقوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة: ٢]. أي: فوقها، وقوله: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] (١).

أي: على جذوعها، ويحتمل أنْ يُحمل وقوفه على أهل الدرجات يعني يُكرم أهل الدرجات درجة بعد درجة، وقوله: "حتى ينتهي إلى مجلسه" معناه العود إلى أفعاله قبل أنْ يُحدث لهم ما أحْدث، كما يقال: جاء الخير يَعْدُوا عَدْوًا، والمراد به سرعة الإقبال عليك (٢).

قيل: هذا غلط، أما حمل المشي على أفعاله فلا يصح، لأن فيه إسقاط فائدة التخصيص بذلك اليوم، لأن أفعاله وأوامره جائزة قبل ذلك اليوم، ولأنَّه أضاف ذلك إلى الغمام، وذلك غير مختص به، ولأنَّه إنْ جاز حمله على ذلك؛ وجب أن يحمل قوله: "ترون ربكم" على رؤية أفعاله، وكذلك تجليه للجبل على ظهوره أفعالهِ، ولمَّا لم يجز ذلك هناك، كذلك ها هنا.

وأمَّا تأويل قوله: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} تدبيرها فلا يصح، لأنَّه لم يزلْ مُدبرًا لها في دار الدنيا، فيجب أنْ يكون لهذا التخصيص بذلك اليوم فائدة، وقولهم لذا نحمل "في" بمعنى "على"، فإنما يجب الامتناع من إطلاق ذلك إذا كان فيه إثباتُ الطرف والمكان، ونحن لا نصفه بالطرفية والمكان، بل نصفه بذلك على نحو ما وصفناه جميعًا بالعلو على العرش، لا على معنى الجهة، وإنْ كنَّا نعلم أن العُلُو ضد السُّفلْ، وكما نُجيز رؤيته


(١) وردت الآية في الأصل بلا حرف الواو "لأصلبنكم" والصواب إثباتها.
(٢) انظر هذه التأويلات في "مشكل الحديث" لابن فورك (ص ١٤٩ - ١٥٠).

<<  <   >  >>