للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

للخلق، والكلامُ معنىً قائم في نفسه (١).

قالوا: ويحتمل أنْ يكون معناه أنَّه سَمَّى العبارة عن كلامِ اللهِ تعالى كلامَ الله، كما تُسمَّى الدلالة على الشيء باسمه، وكما أن الشيء الواقع عن القُدرة، والكائن عن الرحمة رحمة، فيكون معنى قوله "بما شَبَّهْتَ صَوتَ رَّبك" معناه: بما شبهت العبارة عنه والدلالة عليه.

وهذا غلط، لوجوهٍ قد ذكرناها في الكتاب المفْرد بالكلام في القرآن (٢)، ودلَّلْنَا على إثبات الحَرف والصوت، بأشياء كثيرة من الكتاب والسّنة والإعتبار بما فيه كفاية.

فالكتاب قوله تعالى {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: ٣٠]، وقال في سورة النمل {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)} [النمل: ٨ - ٩] وقال


(١) قد اختلف الناس في القرآن وكلام الله تعالى اختلافًا كثيرًا بلغ إلى تسعة أقوال، فقالت المعتزلة: إنه مخلوق خلقة الله منفصلًا عنه!!
وقال ابن كلاب ومن وافقه من الأشاعرة: إنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبّر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة! وغير ذلك من الأقوال الفاسدة.
وأما أئمة السنة والحديث من السلف فقد قالوا: لم يزل الله متكلمًا إذا شاء، ومتى شاء، وهو يتكلم بصوت يسمعه من شاء من خلقه، وسمعه منه آدم وموسى عليهما السلام منه بلا واسطة، وكذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في المعراج، ومن شاء من ملائكته ورسله، ويكلم المؤمنين ويكلمونه في الآخرة.
فالكلام لربنا جلَّ شأنه صفة له، قائمة بذاته، يتكلم بها بمشيئته وقدرته. انظر شرح الطحاوية (ص ٩٦) بتعليقنا.
(٢) لعله يعني كتابه: إيضاح البيان في مسألة القرآن. انظر مقدمة هذا الكتاب.

<<  <   >  >>