للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى تَجِهيله ولا تَعجْيزه، ولا عَدَمه ولا ظُلْمه ولا حُدُوثه ولا إخراجه عما يَستحقُّه من صفاته، وبهذه الدّلالة أُثْبتت جواز رُؤيته سبحانه، كذلك جازَ إثبات الصَّوت والحرف، وليس لهم أنْ يقولوا إن في إثبات ذلك ما يُخرجه عن صفاته، لأن الصَّوتَ عَرَض، وكلامه ليس بعرض.

والحروف لا يصحُّ اجتماعها في مَحَلٍ واحد، بل تَتَرتب فَتُفضي إلى تقدم بعضها على بعض، وهذا يدل على الحديث، وذلك أنَّه كان يجب أن يقول يتكلمُ بصوتٍ ليس بعرض، وحروف لا تقتضي التَّرتيب، وإنْ كان مُستحيلًا في الشاهد، كما قلنا في ذاته وصفاته ليست بجسم ولا جوهر، ولا علمه ضرورة ولا استدلال، وله وجه ويدانِ وسَمْع وبَصَر، يُخالف صفات المخلوقين، وكذلك جواز الرؤية عليه لا يفضي إلى الكون في جهة، وإنْ كان ذلك مستحيلًا في الشاهد (١).

واعلم أنَّا وإنْ أَثْبَتْنَا الحُروف والأصوات، فلا نقول: إنَّ الله يتكلَّمُ كلامًا بعد كلام، لأن ذلك يُوجب حَدث الكلام (٢).

الثاني: ولا نقول إنَّ الله تكلم في الأَزَلِ مَرَّةً ويتكلم إذا شاء، ولا نقول: إنه


(١) نفي الجهة عن الله تعالى من الألفاظ المحدثة التي تحتمل الحق والباطل. انظر ما سبق تعليقه في هذا الكتاب.
(٢) كلام المصنف هنا، يخالف ما قرره أهل السنة من كون صفة الكلام صفة ذاتية قائمة بذاته باعتبار نوع الكلام، وصفة فعلية تتعلق بها مشيئة الله تعالى باعتبار أفراد الكلام، لأن الله تعالى قد خاطب آدم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من النبيين صلوات الله عليهم أجمعين، ومعلوم أن الكلام الذي خاطب به آدم غير الكلام الذي خاطب به نوحًا، وما خاطب به نوحًا غير ما خاطب به إبراهيم وهكذا. وكلامه معهم غير كلامه مع خاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء والمعراج وسيأتي في كلام المصنف نحوه، وانظر شرح الطحاوية (الموضع السابق) ومناظرة في القرآن العظيم لابن قدامة بتحقيقنا (ص ٣٨).

<<  <   >  >>