للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيل: هذا غلط، لأنَّ أهلَ التفسير، ومنهم مقاتل بن سليمان، قال: كُلُّ قائمةٍ من قَوائِمِ الكرسي طولها مثل طُول السَّمواتِ والأرض، والكُرْسي تحت العَرشِ في الصِّغرِ كحلْقَةٍ في أرضٍ فَلَاةٍ.

وهذا يمنع تأويله على العِلم، لأنَّ العِلم لا يتَّصف بالقَوائم، وبكونه تحت العَرش، ولأنَّه أضافَ القدمين إليه، والعلم لا يختص بالكُرسي ولا بالقدمين.

وأمَّا قوله في حديث عمر "إذَا جَلَسَ على الكُرسي" فغيرُ ممتنع حمله على ظاهره، وأنَّ ذاته جالسة على الكرسي (١) لا على وجه الجهة والحدّ، ولا على وجه الجثَّة والأَبْعَاض، كما وَصَفَ نفسه تعالى بالإستواء على العرش، وأنَّ ذلك محمول على ظاهره في استواء الذات، لا على وجه الجهة والأبعاض، كذلك في الكرسي، وقد تأولوا الجلوس والإستواء على الكرسي، على نَحو تَأويلهم الإستواء على العرش، ويأتي الكلام فيه.

وتأوَّله بعضهم على - صلى الله عليه وسلم - وأنَّه هو جالس على كرسيه في الجنَّة بين يدي الله تعالى.

وهذا غلط، لأنَّ في الخبر تصريح باسم الله تعالى، ولا يمتنع أيضًا أنْ يحصل للكرسي أَطِيط بجلوس ذاته عليه، لا على وجه الاعتماد والمماسَّةِ وثُقْل الجُثَّة، كما قلنا في حديث خالد بن معدان "إنَّ الرحْمنَ ليثْقِل على


=اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: ٩٧) {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: ١٥].
ولذا قال الإمام الطحاوي بعد ذكره للعرش والكرسي: "وهو مستغن" عن العرش وما دونه محيط بكل شيء، وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقة" انتهى فالعرش والكرسي ومن دونهما، فقراء لله رب العالمين، فتأمل!
(١) لم يأت في الكتاب أو السنة أو في كلام السلف، وصف الله تعالى بالجلوس! وإن كان باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، لكن قد يفهم من هذا اللفظ معنى لا يليق بالله تعالى، من الحاجة والافتقار. فالإعراض عنه هو الواجب.

<<  <   >  >>