فقيل: على لفظ الجلالة، كما نقله ابن جرير عن عائشة وابن عباس وعروة ابن الزبير ومالك وغيرهم اختاره الفراء (١/ ١٩١) وابن جرير (٣/ ١٢٣). وقيل: الوقف على قوله "الراسخون في العلم" واختاره ابن قتيبة وأبو سليمان الدمشقي، وحكاه القرطبي (٤/ ١٧) عن الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم، وحكاه أيضًا عن شيخه أحمد بن عمر القرطبي فقال: قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر: وهو الصحيح، فإن تسميتهم "راسخين" يقتضي أنهم يعلمون أكثر من "المحكم" الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع؟! لكن المتشابه يتنوع، فمنه ما لا يُعلم البتة، كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبة، وهذا لا يتعاطى علمه أحد، لا ابن عباس ولا غيره، فمن قال من العلماء الحذَّاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه، فإنما أراد هذا النوع. وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومَنَاحٍ في كلام العربي فيُتأوّل، ويعلم تأويله المستقيم، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم، كقوله في عيسى {وَرُوحٌ مِنْهُ} إلى غير ذلك، فلا يسمى أحدٌ راسخًا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرًا بحسب ما قُدرِّ له. اهـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقول أحمد فيما كتبه في "الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله" وقوله عن الجهمية أنها تأولت ثلاث آيات من المتشابه، ثم تكلم على معناها، دليل على أن المتشابه عنده تعرف العلماء معناه، وأن المذموم تأويله على غير تأويله، فأما تفسيره المطابق لمعناه فهذا محمود ليس بمذموم. وهذا يقضي أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل الصحيح للمتشابه عنده، وهو "التفسير" في لغة السلف. ولهذا لم يقل أحمد ولا غيره من السلف: إن في القرآن آيات لا يعرف الرسول ولا غيره معناها، بل يتلون لفظًا لا يعرفون معناه؟! وهذا القول اختيار كثير من أهل السنة، منهم من ابن قتيبة وأبو سليمان الدمشقي اهـ (مجموع الفتاوى ١٧/ ٣٩١).=