وللحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ- كلام مختصر حسن في هذه المسألة، فقال بعد أن ذكر الاختلاف في الوقف في الآية السابقة: ومن العلماء من فصَّل هذا المقام قال: التأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان: أحدهما: التأويل بمعنى حقيقة الشيء، وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى {وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ١٠٠]، وقوله {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: ٥٣]، أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد، فإن أريد بالتأويل هذا، فالوقف على الجلالة، لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ويكون قوله {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مبتدأ و {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} خبره. وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر، وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء، كقوله {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: ٣٦]، أي بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى، فالوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} حال منهم، وساغ هذا، وأن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه كقوله {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} - إلى قوله {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} [الحشر: ٨ - ١٠]، وقوله تعالى {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢]، أي: وجاء الملائكة صفوفًا صفوفًا. وقوله إخبارًا عنهم إنهم يقولون {ءَامَنَّا بِهِ} أي المتشابه {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق وكل واحد منهم يصدق الآخر ويشهد له، لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد، كقوله {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢]، ولهذا قال تعالى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو} أي: إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة اهـ. (التفسير (١/ ٣٤٧). وهناك معنى ثالث للتأويل، ذكره ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- فقال: وأما التأويل بالمعنى الثالث وهو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، فهذا الاصطلاح لم يكن بعد عرف في عهد الصحابة، بل ولا التابعين، بل ولا الأئمة الأربعة، ولا كان التكلم بهذا الاصطلاح معروفًا في القرون الثلاثة، بل ولا علمت أحد منهم خصَّ لفظ التأويل بهذا. =