للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنه قوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣]، {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: ١٩].

ويجوز وصفه بأنَّه "عَامِل وصَانع" لأنه قد عمل فعله وصنعه (١)، ولا يجوز وصفه بأنه مكتسب، لأنَّ معنى الكَسْبِ هو القَادر على ما وُجِدَ بذاته، بقدرةٍ مُحدثة، والله يتعالى عن وُجود الحوَادِث بذاته (٢)، وعن كونه قادرًا بقدرة محدثه، ولأنَّ وصف الكسب يُفيد ما تمسُّ الحَاجة إليه، ويُجتلبُ به النَّفع ويدفع به الضرر، ولذلك يقال: عَبدٌ كَسُوب، ورجَلٌ كسُوب، إذا كان ينتفع بتصرفة.

ويجوز وصفه بأنه "مُصيبٌ" على معنى أنَّ أفعاله كلها غير متفاوتة عليه، بل واقعةٌ بحسب قصده وإرادته، ويجوز وصفه بذلك على معنى أنَّه عالمٌ بها وبكيفية حدوثها وحقائقها وأوصافها، وإنْ لم يقع شيءٌ منها مع الجهل به، ويجوز وصفه بذلك على معنى أنَّ جميع أفعاله مُحْكَمة مُتْقَنة من حيث خَلقها كذلك، وقصدها على ما هي عليه، وجوز وصفه بذلك على معنى أنَّه مُحِقٌّ في فعلها، غير مُتَعَدٍّ في شيء منها، ولا متجاوز به حَدًّا ورَسْمًا (٣).


(١) وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله يصنع كل صانع وصنعته" وتلا بعضهم عند ذلك {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦]. رواه البخاري في خلق أفعال العباد" (١١٧) والبيهقي في الأسماء (ص ٢٦٠) عنه والخطيب في تاريخه (٢/ ٣١) عن حذيفة -رضي الله عنه- به. قال البخاري بعده: فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة.
(٢) قوله "والله يتعالى عن وجود الحوادث بذاته" هذا النفي لا دليل عليه في كتاب ولا سنة. وقصد به المعطلة، تعطيل صفات الفعل لربنا سبحانه، كالكلام والرضا والغضب والاستواء والسمع والبصر واستجابة الدعاء وغيرها، وهذا باطلٌ مخالف لما ثبت من صفات الكمال لله تعالى شأنه في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، انظر: درء تعارض العقل النقل (٢/ ١١٥) وما بعدها.
(٣) وردت آيات في هذا الفعل، كقوله تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد: ٢٢]. وقوله {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩] وقال {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: ٥٦] وغيرهما من الآيات.

<<  <   >  >>