وأجاب بجوابٍ آخر ففال: لا يجوز أن ينفي الله -عَزَّ وَجَلَّ- شيئًا عن الخلق ويثبته لنفسه فيكون له في ذلك شريك، ألا ترى إلى قوله {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل: ٦٥] وقوله {يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}[الأعراف: ١٨٧] وقوله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨] فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه به لا يشركه فيه غيره، كذلك ها هنا.
قال: فإن قيل: كيف يصح الإيمان بما لا نحيط علمًا بحقيقته، ونصفه بشيء لا درك له في عقولنا؟ قيل: قد أمرنا أن نؤمن بملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، وبالجنة ونعيمها، وبالنار وأليم عذابها، ومعلوم أنَّا لا نحيط علمًا بكل شيء منها على التفصيل، وإنما كُلِّفنا الإيمان بها جُملة.
ألا ترى أنَّا لا نعرف أسماء عدة من الأنبياء، وكثير من الملائكة، ولا نحيط بصفاتهم، ثم لم يَقْدَح ذلك فيما أمرنا أن نؤمن به.
وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صفة الجنة:"يقول الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَر على قلب بشر"(١) إلى هاهنا كلام أبي سليمان.
٤٥ - وقد أجاب قوم آخرون عن هذا السؤال بأجوبة أخر: بأنه لو كانت الواو عاطفة والراسخون يعلمون تأويله، لم يكن فيه متشابه، وكان جميعه مُحكمًا، وقد أخبر تعالى أن فيه محكمًا وفيه متشابهًا، والمتشابه ما احتاج إلى بيان.
(١) أخرجه البخاري (٦/ ٣١٨)، (٨/ ٥١٥ - ٥١٦)، (١٣/ ٤٦٥). ومسلم (١/ ١٧٦)، (٤/ ٢١٧٥) عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وأخرجه مسلم (٤/ ٢١٧٥) عن سهل بن سعد الساعدي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.