للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولأنه لو كانت الواو عطفًا على اسم الله، لكان تقدير الكلام: الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به، ولا يجوز إضافة هذا القول إلى الله.

ولأنه لو كانت عاطفةً على اسم الله، لحصل قوله {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} مبتدأ ولا يصح الابتداء به، لأنه غير مفيد لتعلقه بما قبله، وإذا كانت الواو للإستئناف حصل المبتدأ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} فيكون كلامًا مفيدًا، لأنه غير متعلق بما قبله.

ولأن الله تعالى مدح من وَكَلَ علم ذلك إلى عالمه، بقوله {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، ولو شركوه في علمه، لكان من عندهم (١). ولأن الله تعالى مدح الذين يؤمنون بالغيب بقوله {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ


(١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ-: وأيضًا فلفظ التأويل يكون للمحكم كما يكون للمتشابه، كما دل القرآن والسنة وأقوال الصحابة على ذلك، وهم يعلمون معنى المحكم فكذلك معنى المتشابه، وأيُّ فضيلة في المتشابه حتى ينفرد الله بعلم معناه، والمحكم أفضل منه، وقد بيَّن معناه لعباده، فأي فضيلة في المتشابه حتى يستأثر الله بعلم معناه. وما استأثر الله بعلمه كوقت الساعة لم ينزل به خطابًا، ولم يذكر في القرآن آية تدل على وقت الساعة، ونحن نعلم أن الله استأئر بأشياء لم يُطلع عباده عليها، وإنما النزاع في كلام أنزله، وأخبر أنه هدى وبيان وشفاء، وأمر بتدبره، ثم يقال إن منه ما لا يَعرف معناه إلا الله، ولم يبيِّن الله ولا رسوله ذلك القدر الذي لا يعرف أحد معناه.
ولهذا صار كل من أعرض عن آيات لا يؤمن بمعناها، يجعلها من المتشابه بمجرد دعواه اهـ. (الفتاوى الكبرى ١٧/ ٣٩٧ - ٣٩٨).
وما قاله الشيخ حق، فإن كثيرًا من نفاة الصفات والمبتدعة جعلوا صفات الله سبحانه من المتشابه الذي لا يعلم معناه؟ واستأثر الله بعلمه؟! فعندهم أن صفات الله مثل {الم} وغيرها لا يعلم معناها، وهذا باطل لا شك فيه.
لأن الصحابة كانوا يعرفون تلك المعاني، ويؤمنون بها، ولا يعارضونها بتأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، وإنما كانوا لا يخوضون في كيفياتها، وهذا هو معنى قول السلف عن آيات الصفات وأحاديثها: أمرُّوها كما جاءت.

<<  <   >  >>