للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣] ولو كانوا يشركونه سبحانه في علم جميع الأشياء، لم يكن هناك غيبٌ يؤمنون به، لأن ذلك معلومٌ عندهم، وغير ممتنع صحة الإيمان بما لا نعلم حقيقته، كإيمانه بالملائكة والكتب والرسل.

فإن قيل: فإذا لم نعلم تأويله لم يفد الخطاب فائدة، كما إذا خاطب العربي بالزنجية. قيل: فيه فائدة وهو اختبار العباد، ليؤمن به المؤمن فيسعد، ويكفر به الكافر فيشقى، لأن سبيل المؤمن إذا قرأ من هذا شيئًا أن يصدق ربه، ولا يعترض فيه بسؤال وإنكار، فيعظم ثوابه.

٤٦ - وقد جاء هذا مفسرًا عن عبد الله قال: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣] (١).

ولئن جاز أن يقال: إن هذا لا يفيد، جاز أن يقال إنَّ أمرنا بالإيمان بملائكته ورسله ونعيم الجنة لا يفيد، لأنا لا نعلمه.

فإن قيل: فما وجدنا أحدًا من المفسرين وقف على تفسير شيء من القرآن


(١) رواه سعيد بن منصور كما في تفسير ابن كثير (١/ ٤١) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمار بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا فذكرنا أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما سبقونا به، فقال عبد الله: إن أمر محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بينًا لمن رآه، والذي لا إله غيره، ما آمن أحدٌ قط إيمانًا أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قوله {الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: ١ - ٥].
ورواه من هذا الوجه الحاكم (٢/ ٢٦٠) وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم وابن مردويه.
وذكره السيوطي في الدر المنثور (١/ ٦٥) عن الحارث بن قيس عن ابن مسعود، وعزاه لسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه!
كذا قال! وقد تقدم أن الحاكم وابن أبي حاتم وابن مردويه إنما أخرجوه من طريق عبد الرحمن بن يزيد.

<<  <   >  >>