للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما: أنَّه لا يمتنع أنْ تكون هذه الصِّفَات مُشْتقَّة من أفعالٍ لم توجد، ويكون موصوفًا بها قبل وجود الفعل لتحقق الفعل منه، كقولهم: سيف قطوع، وإنْ لم يوجد القطع منه، لتحقق القطع منه، وكذلك قولهم: خُبز مُشِبع، ومَاء مُرْوي، كلُّ ذلك يوصف به وإن لم يوجد الفعل لتحقق الفعل، وكذلك قولهم: رَجَلٌ مُسَافر، ورجل حَاج، وإن لم يوجد ذلك منه.

ولا يصح قولهم: إنَّ ذلك مجاز، لأنَّ الأصل في كلامهم الحقيقة، فمدّعي المجاز يحتاج إلى دليل (١) والذي يُبَيِّنُ أن هذا الكلام حقيقة أن المجاز يصح نفيد عن المسمَّى، كما يصح نفى تسمية الأب عن الجَدِّ، والحقيقة لا يصح نفيها كما لا يصح الأُبَّوة عن الأب الأدنى، وقد ثَبَتَ أنَّ لا يصح النفي عن السيف القاطع، وعن الماء المروي، وعن الخبز المشبع، قبل وجود الفعل منه، فدلَّ على أنَّه حقيقة (٢).

والثاني: أنَّ تعلق هذه الصِّفات بمفعول لا يمنع وصفه بها في القِدم، كما وصفناه بالمحبة لمن علم أنَّ يوافي بالإيمان وبعضه لمن علم أنَّ يُوافي بالكفرِ


(١) الفرق الكلامية تقسم الألفاظ ذات المعاني إلى حقيقة ومجاز، ويقصدون بالحقيقة: اللفظ المستعمل فيما وضع له، وبالمجاز: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له. وقد اعتمدوا على قولهم بالمجاز في تأويل النصوص عن ظواهرها ومعانيها الواضحة المعروفة من كلام العرب! ولا شك أن القول بالمجاز لم يعرفه السلف، ولم يتكلموا فيه، إنما هو اصطلاح حادث بعد القرون الثلاثة المفضلة بالنص، وكان منشؤه من جهه المعتزلة والجهمية، ومَن سلك طريقهم من المتكلمين، وتوصلوا به لنفي المعاني الحقّة. انظر الإيمان لشيخ الإسلام (ص ٧٣) ومختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (٢/ ٥) وللشنقيطي رَحِمَهُ الله رسالة منع جواز المجاز.
(٢) أي: مما يدل على فساد القول بالمجاز، قول القائلين به: إن كل مجاز يجوز نفيه، ويكون نافيه صادقًا في نفس الأمر، فتقول لمن قال: رأيت أسدًا في الوغى، ليس بأسد وإنما هو رجل شجاع: فليزم على القول بأن في القرآن مجازًا، أن في القرآن ما يجوز نفيه؟!!

<<  <   >  >>