في القدم قبل وجود المحبوب والمبغوض، وكذلك هو موصوف بأنَّه داعي إلى الحق، وهادِ إليه وإنَّ لم يكن مَدعوًا، وكذلك وصفه بأنَّه مؤمن بمعنى مُصدِّقٌ لنفسه ورسله، وإن كانت الرسل معدومة وقت وصفه بذلك، وكذلك وصفه بالأمر والنهي والخبر فيما لم يزل، وإنَّ لم يكن هناك مأمُورًا ولا مَنهيًا ولا مُخبرًا، كذلك لا يمتنع وصفه بالخلق والرزق والإحسان، قبل وجود هذه الأفعال.
فإنْ قيل: تلك الصفات التي هي العلم والقدرة عدمها يوجب النقص في حَقَّه سبحانه، لأنَّا لو قلنا إنَّ علمه مُحدث، أفضى إلى الجهل قبل ذلك، وكذلك لو قلنا: إن له قدرة محدثة أفضى إلى العجز، وليس كذلك في نفي وصفه بالخلق والرزق عنه في القِدَم، لأنه لا يفضي إلى النقص في حَقِّه، كالمحبةِ والبغض عدمها لا يفضى إلى النقص في حقه.
قيل: لا يمتنع إثبات هذه الصفات قديمة، وإن كان نفيها لا يُفضي إلى النقص في حَقِّه، كالمحبةِ والبُغض، عدمها لا يُفضي إلى النقص، ومع هذا هو موصوفٌ بها في القدم، وكذلك الأمر والنهي وغير ذلك مما ذكرنا، وعلم أنَّه إن لم يُفّضي إلى النقص، فإنَّه يفضى إلى أن يقع الخبر بخلاف مخبره.
٣٠٥ - واحتج المخالف بما رواه هَنَّاد في كتاب الزُّهد بإسناده: عن سلمان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ الله خَلقَ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ مائة رَحْمة، كُلُّ رَحْمةٍ طِباقِ السَّماءِ والأَرضِ، فجعل في الأَرْضِ منها رَحْمةً فِبهَا تَعْطُفُ الَوالدةَ على ولَدِها والوَحْشُ والطَّير، وأَخَّر تِسْعًا وتسعينَ إلى يَومِ القيامة، فإذا كان يَومُ القيامةِ أكْمَلَهَا بهذه الرَّحْمةِ