للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مائة، فَقَصَّها على المتقين" (١).

قالوا: فقد نصَّ على أنَّ الرَّحمة مخلوقة، وإن كانت من صفاته!

والجواب: إنَّ الخَلْقَ واقع على أسبْاب الرحمة، لأنَّ الرحمة التي هي صفة الله تعالى، هي التَّعَطُّف والتكرم والمغفرة، وأسبابها هو فعل الطاعات والقُربِ التي توجد من جهة العبد، فأسبابها متسعة، وذلك مخلوق (٢).

وقوله: "فإذا كان يوم القيامة، كمَّلها بهذه الرحمة" معناه: أنَّه يكمل لهم ثواب تلك الأسباب كلها، بفعل السَّببِ الواحد، الذي أنزله تَكَرُّمًا منه وتفضلًا به.

ونظير هذا الإيمان الذي هو صفته (سبحانه) كالإيمان بوحدانيته وبصفاته، هو قَدِيمٌ، والهداية التي تحصل للعبد فيتوصل بها إلى ذلك الإيمان، هي غير الإيمان وهي محدثة، لأنَّ الهداية في انشراح الصدر بالإيمان، وذلك غير الإيمان (٣).


(١) الزهد لهناد (١٣١٩) والحديث أخرجه مسلم في البر والصلة (٤/ ٢١٠٩). ورواه البخاري (٦٤٦٩) ومسلم (٤/ ٢١٠٨) عن أبي -رضي الله عنه-. أما الجملة الأخيرة "فقصها الله على المتقين" فقد تفرد بها هناد، ولعل معناها: فقصها الله على المتقين بشارةً لهم، وانظر التعليق على الزهد.
(٢) رحمة الله تعالى التي هي صفته، غير ما خلق للناس من رحمة ونعمة وفضل، مما هو مقتضى رحمته سبحانه بخلقه، كالمطر وأنواع الأرزاق والأنعام والأزواج والأولاد، وإنزال الكتب وإرسال الرسل … إلخ وانظر كتابنا النهج (١/ ٨٥) وما بعدها.
(٣) "المؤمن" من أسماء الله تعالى، وهو المصدق لنفسه. والموحد لها، كما قال {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨]. وأيضًا هو المصدق لرسله بإظهار الآيات على أيديهم، وهذا غير التصديق واليقين والسكينة، والتي تكون بأمر الله تعالى في قلوب المؤمنين المصدقين.
وفي المسألة تفصيل مهم.
انظره في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (٧/ ٦٥٥ - ٦٦٤).

<<  <   >  >>