للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجواب آخر: وهو أنه قد روي في لفظ آخر "على صورة الرحمن وعلى صورة نفسه" وهذا يمنع حمله على المضروب، فوجب أن يقضي بالمقيد عليه. فإن قيل: الهاء ترجع على آدم، ويكون رجوعها عليه لوجوه: أحدها أن يعرفنا أنه خلق في الجنة على الصورة التي كان عليها في الدنيا، لم يغير الله خلقته، ويكون فائدة ذلك تعريفنا الفرق بينه وبين سائر من أخرجه من الجنة معه، من الحية والطاووس، فإنه عاقب الحيَّة وشوَّه خلقها، وسلبها قوائمها، وجعل أكلها التراب، وشوه رجلي الطاووس (١)، ولم يشوه خلقة آدم. بل أبقى له حُسن الصورة، فعرفنا بذلك أنه كان في الجنة على الصورة التي هو عليها.

قيل: هذا لا يصح لوجوه:

أحدها: أنه روي ما دل على تغير خلقه عن الصفة التي كانت عليها.


(١) نقله البيهقي في الأسماء (ص ٢٩٠) عن أبي منصور (وهو الماتريدي).
فائدة: أخرج ابن جرير في تفسيره (١/ ١٨٧ - ١٨٩) عدة آثار تفيد أن إبليس لما طرد أراد أن يدخل الجنة فمنعته الخزنة، فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير، وهي كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم فأدخلته في فمها، فمرت الحية على الخزنة فدخلت ولا يعلمون، فكلمهما من فيها، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها.
قلت: وفي أسانيد هذه الآثار انقطاع وجهالة وضعف، وهي أشبه بالإسرائيليات المتلقاة عن أهل الكتاب.
ثم قال ابن جرير: وأولى ذلك بالحق عندنا، ما كان لكتاب الله موافقًا، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن إبليس أنه وسوس لآدم وزوجته ليبدي لهما ما وُورِيَ عنهما من سوآتهما، وأنه قال لهما {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} وأنه قاسمهما إني لكما من الناصحين، مدليًا لهما بغرور.
ففي أخباره جل ثناؤه عن عدو الله أنه قاسم آدم وزوجته بقيله لهما: إني لكما لمن الناصحين، الدليل الواضح على أنه قد باشر خطابهما بنفسه، إما ظاهرًا لأعينهما، وإما مستجنا في غيره، وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقال: قاسم فلان فلانًا في كذا وكذا، إذا سبب له سببًا وصل به إليه، دون أن يحلف له اهـ.

<<  <   >  >>